Q نود منكم نصيحة لمن يضع سيارته خلف سيارات يريد أصحابها الخروج فلا يستطيعون بسبب تلك السيارة، ونريد نصيحة أخرى لمن يؤذي المسلمين أثناء الدرس بفتح نغمات التلفون أو بالكلام؟
صلى الله عليه وسلم لا يجوز للمسلم أن يتسبب في الإضرار بأخيه، وأوصي كل طالب علم، وأحرِّج عليه بالله عز وجل -لما وجدنا من الأذية في الدروس، وإزعاج بعض العوام وتشويشهم- أنه إذا أوقف سيارته ألا يوقفها وهي مقفلة على أحد، ولو أن يضعها على بعد كيلو من المسجد، فلا يحضر مجلسي أحد قد آذى أحداً بقفل سيارته على إخوانه، وهذا أمر قد تكرر أكثر من مرة، سواء في درس جدة أو في درس مكة أو غيره من الدروس، فرجائي للإخوة أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم، وأن يتقوا الله في إخوانهم، وقد حدث في بعض الدروس أن كان بعض الجيران عنده مريض، واحتاج إلى إسعافه، فلم يستطع، لأن أحدهم أقفل بسيارته على سيارة صاحب المريض.
وبعضهم يأتي وكلما وجد سيارة ظنها سيارة طالب مثله، فيقفل عليها، فهذا لا ينبغي أبداً، فإذا أردت أن توقف سيارتك فلا تقفل على أحد وإلا حملت الإثم والوزر، وخاصة إن كنت طالب علم أو كنت منتسباً للعلم.
الأمر الثاني: مما كثرت الشكوى فيه: قضية الجوّالات وأصوات البيجرات أثناء الدروس، فأُناشدكم الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه ألا يجلس أحد في مجلس علم -وأخص مجلسي- وقد فتح جواله، فإذا أراد أن يجلس ويغلق الجرس فليجلس، أما أن يجلس ومعه جواله وقد فتح جرسه، فلا آذن له، والله يشهد على ذلك، وأشهد الله أنه مؤذٍ لإخوانه ومضر بهم، سواءً كان ذلك عن طريق فتح الجرس فيُزعج من حوله -وهذه الأجراس تعرفون أن كثيراً منها موسيقية وذات نغمات لا تليق في بيت الله عز وجل- أو كان ذلك عن طريق التكلم والتحدث أثناء الدرس، وهذا قد تكرر أكثر من مرة، وقد بعث لي الإخوة رسائل في درس جدة ومكة، أنه بلغ ببعضهم أنه يتكلم أثناء الدرس وداخل الحلقة، وما رأيت ذلك، لكن لا أشك أنه ظالم لإخوانه؛ لأنه إذا أراد أن يكلم أحداً فليخرج من الحلقة، والأغرب من هذا أن البعض يخرج ويتخطى الرقاب ثم يرجع مرة ثانية، ولا أرى له شرعاً أن يعود إلى المكان.
وعليه: فالذي يريد أن يتصل ويكلم الناس فليجعل كلامه في الخارج، وليبتعد عن الحلقة، فهذا مكان علم، ومكان تتلى فيه آيات الله والحكمة، وليحمد الله المسلم أن الله شرفه وكرمه بسماع آيات التنزيل والأحكام، وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى يغبط عليها، فهذه الثواني والدقائق إن كانت عندك قليلة فإنها عند الله ليست بالقليلة، بل هي التي تكفر فيها السيئات، وترفع فيها الدرجات، وكفى الإنسان لغط الدنيا وهمومها، ألا يستطيع أن يصبر ساعة في ذكر الله جل جلاله؟ والبعض قد يأخذ معه جواله وبيجره إلى الصلاة، فيزعج ويُشغل فلا يعرف كيف صلى، نسأل الله السلامة والعافية، اللهم إنا نعوذ بك من قسوة القلوب أنت أثناء الصلاة في آخرتك، فالإنسان يقضي الساعات كلها في أمور الدنيا، أفلا يستطيع أن يصبر نفسه دقائق؟! فالصلوات لا تبلغ بعض الأحيان ربع ساعة، أفلا يستطيع أن يُغلق جوَّاله؟! وهل الذي يتصل عليه أعز عليه من ربه الذي يلقاه ويستقبله ويذكره ويمجده ويثني عليه بالذي هو أهله سبحانه وتعالى؟! إن ذلك كله بسبب قسوة القلب والعياذ بالله! ولا أشك أن هذه من الفتن التي فُتحت على الناس حتى شُغلوا في موقفهم بين يدي الله جل جلاله.
فينبغي على الإنسان أن يكون منتبهاً لهذه الأمور، فبمجرد أن آتي إلى المسجد أُغلق جوالي، أو أفتح جوالي وأتركه في السيارة وليتصل من أراد، ثم إذا رجعت رجعت إلى دنياي، لكن إذا دخلت في آخرتي مقبلاً على ربي فليس هناك أي شيء يشغلني عن الله جل جلاله، ولأن الشخص إذا اتصل عليه أحد في الصلاة، فإنه يتشوش ويقول في نفسه: من هذا الذي اتصل؟ أهي الزوجة أم الأهل أم غيرهم؟ أمور كلها تُدخِل على الإنسان الوساوس وتشغله عن ذكر الله عز وجل.
فهذا أمر قد كثرت فيه الشكاوي، ولذلك أعود وأكرر: إني أحرج بالله على كل شخص يحضر مجلسنا ألا يتسبب في أذية إخوانه، سواءً عن طريق البيجرات أو عن طريق الجوالات، ولينصح بعضكم بعضاً.
وإذا حضر إلى الدرس فهذا درس علم ومجلس علم، يُذكر فيه الله جل جلاله، ويَبتعد الإنسان عن أي شيء يزعج إخوانه أو يؤذيهم، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يعصمنا من الزلل وأن يوفقنا في القول والعمل، فإن رسول الأمة صلى الله عليه وسلم قد عظم أذية المسلم إلى درجة أنه أسقط صلاة الجماعة عمن أكل ثوماً، وهذا الثوم رائحة فقط، فإذا جئت لتصلي وتقف بين يدي الله شوش عليك في الرائحة؛ فكيف وأنت تستمع حكماً شرعياً تنتظره أمم من طالب العلم؟ فالأمر ليس بالسهل، الأمر تتقطع له القلوب حرقة، وقد كنا نرى من مشايخنا من يسقط طالب العلم من عينه لمجرد غلطة يذيعها أثناء درسه وحضوره مجلس العلم.
ربما أثناء اتصال الجوال يكون إخوانك متجهة أفهامهم وأنظارهم لمسألة، فقطعتهم وحرمتهم منها، أليس هذا ظلم؟ أليس هذا جور؟ أليس هذا اعتداء لحدود الله عز وجل؟ وهذه المسألة قد تكون من أهم المسائل، وقد تكون معضلة من المعضلات، فقد جاء طالب العلم ربما من عشرات الكيلو مترات من أجل (قال الله وقال رسوله)، فأنصت وأصغى وأحضر قلبه، حتى إذا أراد أن يصل إلى النتيجة جاء هذا الاتصال وقطعه عنها، فمن الذي يُسأل أمام الله عن هذا؟ وأي ضرر يحصل للإنسان في مثل هذا؟ وإذا كان الشخص لا يُعظِّم مثل هذا، فإننا والله نعظم حدود الله ونعظم شعائره، وعندنا الكلمة من العلم تساوي شيئاً كثيراً، وعندنا الحكم الشرعي كبير جداً؛ لأن هذا العلم هو الذي رفعنا على رءوس الناس بفضل الله سبحانه وتعالى، وهو الذي رقينا به المنابر، وهو الذي نلنا به الخير والسعادة والبركة؛ فكل قليل منه عندنا كثير وكبير جداً، فلا نستخف بمثل هذا.
فإذا جاء أحد ومعه جواله وبيجره فليحتط، ولا يتسبب في أذية إخوانه، فالأمر ليس بالسهولة مثلما يظن البعض، وينبغي علينا أن نتواصى بالحق، وأن يزجر بعضنا بعضاً، فالشخص الذي يفعل هذا لا يفوتك، وقل له بعد الصلاة: يا أخي! اتق الله، فهذا لا يجوز، وهذا من الاعتداء على حدود الله عز وجل، فيأتمر المسلم بما أمر الله، وينهى أخاه عما حرم الله عز وجل من أذيته والإضرار به.
والأمر أيضاً عند النساء: قضية الأطفال، وإزعاج طالبات العلم بهم، وقد تكررت الشكوى من النساء، حتى إن بعض النسوة قد ناشدنني فقلن: اتق الله فينا، فإننا نحضر من مسافات بعيدة، ونريد هذه الساعة في الأسبوع لسماع الذكر وسماع الأحكام، ونحن أحوج ما نكون، فيأتي الأطفال ويشوشن علينا، ولربما يصل الأمر إلى تدليل الأطفال وعبثهم ولعبهم على مرأى ومسمع من والدتهم، وهذا لا يجوز.
فلا يجوز ترك الأطفال -سواءً عند الرجال أو عند النساء- بطريقة تشوّش على طلاب العلم، فهذه بيوت الله، وليخش والد الطفل أن يُدعى على طفله دعوة تكون سبباً في شقائه؛ لأن بعض الناس لا يتمالك نفسه، وقد يأخذه القهر لأنه يأتي من عشرات الكيلو مترات للعلم الذي يريد أن يُفني له عمره وحياته، ويضحِّي له بالغالي والرخيص، فيأتي من يشوِّش عليه سواءً ممن يعقل أو لا يعقل.
فعلى المرأة أن تحفظ أطفالها، وإذا غلب على ظنها أن حضور الأطفال يُشوِّش على أخواتها فلتتقي الله عز وجل، ولتخف منه سبحانه وتعالى، ولتجلس في بيتها وتسمع الشريط، أما أن تأتي إلى بيت الله عز وجل بأطفالها، وتزعج من حضر من طالبات العلم، وتُسبب في ضياع تركيزهن وضبطهن للعلم، ونحن أحوج ما نكون إلى طالبة علم تضبط هذا الدين وتقوم بحقوقه، فهذا لا يجوز، فأوصي أخواتي بأن يراعين ذلك، وأن يتقي الله بعضنا في بعض، نسأل الله العظيم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل، إنه المرجو والأمل، والله تعالى أعلم.
وأختم هذا الدرس بوصيتكم بما وصى الله به المسلم تجاه أخيه المسلم: بأن يُعينه وأن يناصره وأن يؤازره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
فكم من مسلم دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب، فجعل الله سعادته في دعوته، فقال الملك: آمين، ولك مثله، وكم من كربة ونكبة وفاجعة فُرِّجت عن مسلم بفضل الله ثم بدعوة أخ له صادق بظهر الغيب! فأعظم الله أجر الداعي، وأحسن العاقبة لمن دُعي له، وإن إخوانك في الشيشان يعانون كرباً وبلاءً عظيماً لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فقد شرِّدوا، وأخرجوا من ديارهم،، وفرق بين الوالدة وأولادها، وبين الأخ وأخيه، وعانوا من البلاء ما الله به عليم عندما طرقتهم أبواب البرد في مكان هو من أشد أرض الله عز وجل برداً وزمهريراً! فلا يعلم ما الذي يكابدون ويجدون من كيد وحقد أعداء الإسلام والمسلمين على هذا الدين إلا الله سبحانه وتعالى، فما أحوجهم منكم إلى النصرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وهذا أصل شرعي، وهو: أن الله فرض على المسلم أن ينصُر أخاه المسلم.
وإن مما ينصر به المسلم الدعاء، ولا يستهين المسلم بالدعاء، فإن الله تعالى قد زلزل عروش الظالمين وشتّت شملهم أجمعين بدعوة المظلومين، والله يرفع دعوة المظلوم ويقول: (وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين).
فاضرعوا إلى جبار السموات والأرض، وابتهلوا لهم بخالص الدعاء، خاصة في مظان الإجابة من الأسحار وبين الأذان والإقامة بقلوب خاشعة متجهة إلى الله سبحانه وتعالى، بل بكل ما يستطيع المسلم من خشوع وإخبات وإنابة، فيستجمع بها ما يكون سبباً في قبول دعوته نصيحة لإخوانه المسلمين.
وعلى الأئمة أن يضرعوا إلى الله بالدعاء في القنوت، فيقنتوا ويستحضروا الخشوع، ويستحضروا عظمة الله جل جلاله، الذي لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والله على كل شيء قدير، ولا يعجز الله شيء أبداً، فإن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وما أهون الكافر على ربه! وما أهون العبد على ربه إذا أراد أخذه! وإن أخذ الله أليم شديد، فاضرعوا إلى الله بالدعاء، وابتهلوا بسؤال الله سبحانه وتعالى حتى يفرِّج