Q السائل الذي يخرج من المرأة أثناء الحمل هل هو ناقضٌ من نواقض الوضوء؟
صلى الله عليه وسلم السائل الخارج من فرج المرأة أو ما يسمى برطوبة فرج المرأة له حكم النجاسة على أصح قولي العلماء رحمهم الله.
وهذا السائل فيه حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان في أول الإسلام إذا جامع الرجل امرأته ولم تنزل لا غسل عليه ولا عليها، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طرق على أحد الأنصار، فخرج الأنصاري فجأة وكان ملماً بأهله، فقال صلى الله عليه وسلم: (لعلنا أعجلناك، إذا أعجلت أو أقحطت فلا غسل عليك)، وفي رواية: (لتغسل ما أصابك منها)، فأمره إذا لم يقع الإنزال أن يغسل العضو؛ لأنه حكم بنجاسة ذلك السائل؛ لقوله: (لتغسل ما أصابك منها)، والذي أصابه منها رطوبة الفرج.
فهذه المسألة مسألة واضحة، فالسنة فيها واضحة، ولا تحتاج إلى كلام طبيب ولا غيره؛ لأن هناك مسائل شرعية الحكم فيها واضح ليس فيها أي إشكال.
فقوله: (لتغسل ما أصابك منها) لا يصيبه منها إلا الرطوبة التي جعلها الله عز وجل مثل المذي في الرجل، وهذا شيء ذكره العلماء رحمهم الله المتقدمون وأشاروا إليه، أن رطوبة فرج المرأة بالنسبة للمرأة كالمذي بالنسبة للرجل، ويكون عند شدة الشهوة وزيادتها، وكل هذه الأمور واضحة لا لبس فيها، لا من جهة الأثر ولا من جهة النظر، فالقول بكونها نجسة لا إشكال فيه، وإذا ثبت كونها نجسة فحكمها حكم النجاسة، فاجتمع حينئذٍ خروجها من الفرج ووصف الخارج، وإذا اجتمع المخرج والخارج وصفاً مؤثراً حكم بانتقاض الوضوء، وحينئذٍ تكون كالبول، فنقول: يجب الوضوء من رطوبة الفرج؛ لأنها سائلٌ نجس أوجب الشرع في نصوص السنة الثابتة وجوب الوضوء من كل سائل نجسٍ خارج من الفرج، بدليل المذي والبول والودي ودم الاستحاضة، فكلها سائلة، ودم الاستحاضة ليس ببول ولا غائط، لكنه سائل نجس خارج من الموضع.
فعلى كل حال: إذا ثبت المخرج والخارج وكان الخارج نجساً فإن هذا يؤثر؛ لأن مسألة انتقاض الوضوء فيها تفصيل عند العلماء: هل نعتبر المخرج ولا نلتفت للخارج؟ أو نعتبر الخارج ولا نلتفت للمخرج، أو نعتبر الأمرين؟ فإذا قلت: أعتبر الخارج ولا أعتبر المخرج، فحينئذٍ تقول: العبرة عندي بالنجاسة، فالمخرج ليس له تأثير، فلو خرج حصى أو خرج دود من القبل، وهذا الخارج طاهر -كالحصى- فحينئذٍ لا ينتقض الوضوء، وإذا خرج النجس وهو الدم من غير المخرج كالرعاف فينتقض الوضوء، وهذا مسلك الحنفية والحنابلة، ولذلك أوجب الحنابلة رحمهم الله الوضوء من الدم الكثيف إذا خرج من سائر البدن، فأوجبوه من الرعاف وأوجبوه من الحجامة؛ لأنه سائل نجس خارج من البدن، فلم يلتفتوا إلى مخرجه ولكن التفتوا إلى الخارج.
وهناك مذهب آخر يقول: الثابت عندنا بالمخرج لا بالخارج، فكل شيء خرج من المخرج أثر، ولا عبرة بنوعية الخارج؛ وبناءً على ذلك وفي زماننا لو أدخل المنظار أو أدخلت آلة الكشف من القبل أو الدبر ثم أُخرجت، نقضت الوضوء؛ لأنها خرجت من المخرج، والعبرة عندهم بالمخرج لا بالخارج، فسواء كان الخارج طاهراً أو نجساً فإن العبرة عندنا بالمخرج.
ودليل من ينظر إلى أن العبرة بالخارج لا بالمخرج: أن القيء قد أوجبت الشريعة الوضوء منه، كما في حديث ثوبان: (قاء فتوضأ)، مع أنه لم يخرج من المخرج بل خرج من الفم، والفم ليس بمخرج نجس، لكنه لما كان القي نجساً أثر في الحكم، فدل على أن مناط الحكم هو الخارج النجس وليس المحل، وبناءً على ذلك قالوا بانتقاض الوضوء منه واعتدوا بالخارج لا بالمخرج.
وأما الذين يرون العبرة بهما على تفصيل، فيعتبر مذهبهم من أقوى المذاهب؛ لأن الشريعة تشهد بالمخرج وتشهد بالخارج، لكن مسألة القيء وكونه ينقض الوضوء أجاب الأولون عنها وقالوا: إن الشريعة أوجبت الوضوء من القيء؛ لأنه نجس، لكنه نجس من الموضع الذي هو المعدة، فاستوى خروجه من الأعلى أو من الأدنى، وأيضاً القيء لا يعتبر مؤثراً -وهذا بإجماعهم كلهم- إلا إذا استحال الطعام وتغير، قالوا: فإذا استحال الطعام وتغير كان في حكم الفضلة التي يستوي خروجها من أعلى البدن، أو من أسفل البدن، فنظروا إليه فضلةً ولم ينظروا إليه في مسألة كونه نجساً، وقالوا: الدليل على هذا: أننا لو نظرنا إلى القيء لم يستحكم فيه التغير كالقلس أو لم يؤثر فيه تأثيراً قوياً لا نحكم بانتقاض الوضوء به، ويؤكد هذا أنه لو فتحت في المعدة فتحة وكانت تحت السرة وخرج منها خارج، حكمنا بانتقاض وضوئه؛ فدل على تأثير المادة نفسها من الموضع وليس كونها نجسة أو طاهرة، وهذا المسلك فيه كلام طويل للعلماء رحمهم الله، وفيه خلاف مشهور بين جهابذة أهل العلم رحمهم الله.
أما مسألة الرطوبة وخروجها من الفرج فلا إشكال في قوة تأثير هذا النوع من الخارج ونقض الطهارة به، فإذا أصبح مسترسلاً فحينئذٍ نقول للمرأة: عليها أن تضع القطن، فإذا كان يغلب القطن فإنها تشد الفرج، كما وصى النبي صلى الله عليه وسلم في الاستحاضة، وعندنا السنة واضحة، ومسائل التخفيف واضحة، فلو قال قائل: كيف تنقضون الوضوء وكيف تحملون النساء مسألة الوضوء كل دقيقة؟ قلنا: ما دام أنه نجس وينقض الوضوء فهذا لا يفصل بالمشقة؛ لأن عندنا المستحاضة أنه إذا غلبها رجعت إلى التخفيف، فجمعت جمع تأخير إن شاءت، أو جمعاً صورياً إن شاءت، وإن شاءت توضأت بدخول وقت كل صلاة وصلت الفرض، وهذا ليس فيه مشقة، بدليل أن الشريعة قد حكمت بذلك في المستحاضة، فما الفرق بين المستحاضة التي غلبها الدم وبين التي معها رطوبة الفرج؟ لا فرق بينهما، فهذه أخرجت فضلةً نجسة وهذه أخرجت فضلةً نجسة، فوجب الحكم بالتخفيف في هذه كما وجب الحكم بالتخفيف لهذه ولا فرق بينهما، والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.