Q إمامٌ طرأ عليه عذر فقدم رجلاً من خلفه وكان هذا المقدّم مسبوقاً بركعة، فكيف يصنع، خصوصاً أن وراءه من أدرك الصلاة مع الإمام من بدايتها؟
صلى الله عليه وسلم هذا هو الفقه، خذوها قاعدة، الإمام عندنا فيه سنة وعندنا أصل، وكثير من المسائل تتفرع على السنة والأصل، والأصل العام مستنبط من السنة، لكن المراد بالسنة هنا الحديث الخاص: (إنما جعل الإمام ليؤتم به).
أما الأصل فإنك مطالب بعدد من الركعات في الصلاة لا تزيد عليه ولا تنقص منه، فما الحكم إذا قدم مسبوقاً؟ إذا فرضناً أنه مسبوق بركعة، في هذه الحالة يصلي ويُتم الصلاة كفعل الإمام، فإذا بقيت له الركعة الباقية ثبت أهل المسجد يتشهدون، وقام لوحده، وأتم الركعة ثم تشهد، ومن هم خلفه يطولون في الدعاء والمسألة حتى ينتهي من الركعة، ثم يتشهد ثم يسلِّم بهم.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى صلاة الخوف، ثَبَتت الطائفة الأولى وتشهّدت، ثم أتم بالطائفة الثانية الركعة، ثم جلس يتشهد فقامت الطائفة الثانية وأتمت لنفسها، ثم تشهد بالطائفتين وسلم؛ عليه الصلاة والسلام.
هذه أحوال طارئة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم في حال الخوف كانت عنده ركعات زائدة على ركعات المأمومين، ومن هنا أخذ العلماء أنه إذا اختل الأمر فاحتاج المأموم أن يزيد، أو احتاج الإمام أن يزيد، فحينئذٍ يترك الإمام على زيادته ويبقى المأموم معذوراً.
تخرجت على هذه مسألة ما إذا زاد الإمام، وأنت تعلم أنه في الخامسة تبقى في التشهد ولا تتابعه، ولا أعرف أحداً من أهل العلم يقول إنه إذا قام الإمام للخامسة قام المأموم وراءه، هذا لا يقول به إلا بعض المتأخرين ولا أدري من أين جاء به.
والأصل يقتضي أن تبقى؛ لأن الله أمرك بأربع ركعات، ولم يأمرك بإحداث خامسة ولا سادسة، وأمرك بمتابعة إمامٍ في الصلاة لا فيما هو خارج عن الصلاة، والخامسة ليست من الصلاة، وأنت تعتقدها خارجة من الصلاة، ولا يجوز لك أن تتعبد الله عز وجل بها، لذلك لا يجوز لك أن تأتم بإمام إلى قبلة غير القبلة التي تراها.
وإذا كان هذا في الشرط فكيف في الركن؟ فإذاً: من حيث الأصل الإمام تتابعه في الحدود الشرعية، فإذا زاد الخامسة معذوراً لسهوٍ، أو معذوراً لنقصٍ، ثَبَتّ متشهداً حتى يُتم خامسته ثم تتابعه في التشهد.
يبقى السؤال: لماذا لا تُتم وتسلم؟ لو أتممت وسلّمت لنفسك لا نقطعت عن الجماعة وفات أجر الجماعة؛ لأن الجماعة من التكبير إلى التسليم.
ففائدة المسألة: أنك تثبت حتى تبقى فيسلِّم بك، ولذلك فهذان الأمران: الإحرام والتسليم، من سبق الإمام فيهما بطلت صلاته؛ لأنهما أعظم ما في الإمام من أركان، بخلاف بقية الأركان: فإذا ركع قبله رجع فتدارك، وإذا سجد قبله رجع، إلا إحرامٌ وسلام، فإن سبق المأموم الإمام فيهما بطل اقتداؤه، أي: بطل كونه مأتماً به.
فالحاصل أن تبقى معه وتكون القاعدة المعروفة: ما جاز لعذر بطل بزواله، وما أبيح للضرورة يُقدَّر بقدرها.
فهو مضطرٌ إلى زيادة ركعة، وأنت تنفصل عنه بقدر الزيادة، فإذا أتم الركعة وجلس للتشهد تبقى وراءه، وترجع إلى الأصل وهو أنك ملزم بمتابعته، وليس عندك دليل يُجيز لك أن تنفصل عنه وتتم وتتشهد؛ لكن إذا كان الأمر بالعكس، فمثلاً لو كان الذين وراء الإمام جاءوا مسبوقين، فالحكم واضح وهو أنهم يتموا وراء الإمام، ثم إذا تشهد وسلم قاموا وأتموا ما سبقهم فيه الإمام وخليفته.
وأما إذا جاء المأمومون كلهم مع بعض في الركعة الثالثة، والإمام حصل له عذر فقدم أحدهم، تابعوه متابعة كاملة لأن صلاته وصلاتهم واحدة، لكن يبقى الإشكال في الركعتين الأخيرتين، لأنه لو صلى وراء الإمام لجلس بعد الثالثة بالنسبة للإمام، لكن هنا لا يجلس بعد الثالثة، وإنما يقوم ويأتي بالركعتين الأخيرتين تامة، ويتابعه المأمومون.
وفي هذه المسالة عشر مسائل مبسوطة، أعني مفرّعة، لأنها تختلف في الرباعية والثنائية والثلاثية بحسب اختلاف السبق والتأخر عن الإمام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.