حث طالب العلم على إعانة إخوانه في طلب العلم

Q بعد الانتهاء من درس العالم أحب أن أجالس طالب علم لتدارس المسائل، فهل إذا رفضت الإجابة عن بعض المسائل طلباً مني أن يجتهد الزميل ويبحث، وليس السبب شيئاً يتعلق بشيء في الصدر، فهل فعلي صحيح؟

صلى الله عليه وسلم هذا حسن، وأحسن منه أن تعطيه، هذا حسن أنك تقصد أن تشخذ همته؛ لأن هذا يدعو إلى التعب والجد والتحصيل، لكن لو أنك أخبرته أثابك الله على إخباره وتعليمه، ووضع الله البركة في علمك بقدر ما نشرت، ومن يضمن لك أن تبقى؟ ومن يضمن لك أنه ينال هذه المسألة؟ فلربما افترقتم افتراقاً لا تلتقيان بعده أبداً، وحيل بينه وبين بلوغ هذه الفائدة، فنزلت به هذه النازلة وهو أشد ما يكون حاجةً إليها، فيسألك الله عن ذلك، فأنت تبذل ما عندك.

ومن أفضل ما وجدنا تضحية طالب العلم مع أخيه، فإن الشيطان يأتي بالدواخل حتى في الاختبارات، وبعضهم يقول: لا تعطه ملخصك، فهذا يعوده على الكسل والخمول لا، فقد تلي أمر أخيك المسلم فترفق به فيرفق الله بك، فإذا احتاج إليك في مسألة أو معضلة أو مشكلة أو نازلة، أو ملخص أو كتاب ورفقت به وأعطيته حاجته؛ فإن الله يرفق بك كما رفقت به: (وإن الرفق ما كان في شيءٍ إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)، وإني والله لأعرف من طلاب العلم من كان يكتب الملخصات حتى إنه في بعض الأحيان يصور لإخوانه ولا يأخذ على تصويرها شيئاً، ويرجو بهذا أن ينال الأجر والثواب، وأن الله سيبارك له في علمه كما أسدى وأولى إلى إخوانه من الخير والمعروف، فلا يحرص طالب العلم على التضييق.

ولذلك ينبغي أن الإنسان يوسع على الناس، فلا يأخذهم بالشدة، ولا يضيق عليهم، فالأكمل والأفضل أن تحتسب الأجر والثواب عند الله فتعلم أخاك، ولا شك أن شحذ الهمة لطلب العلم له أساليب أخرى، فلا يشحذ همة الشيء مثل الإخلاص لله جل وعلا، فإذا أردت أن تكون همتك صادقة فتعود على الإخلاص، فلا تجلس معه في مجلس إلا وتذكره بالله الحي القيوم الذي لا تأخذه سنةٌ ولا نوم، وتقول له: يا أخي! أوصيك ونفسي بتقوى الله عز وجل أن تنظر ماذا في قلبك وأن أنظر ما في قلبي ونحن في مجلس طلب العلم، وقد كان بعض السلف إذا قالوا لبعضهم: حدثنا، قال: حتى تأتي النية.

فيراقبون أنفسهم في الإخلاص، فإذا أردته يجد ويجتهد فادعه إلى الإخلاص، وكذلك عليك أن تدعو له بظاهر الغيب أن الله يفتح عليه، وأن يرزقه الجد والإخلاص والاجتهاد في طلب العلم، وإذا أردته أن يجد ويجتهد فاسأله سؤال المذاكر.

فهناك أساليب أخر، فلا تقتصر على أنك تبخل عليه وتمن عليه وتمنعه من التعليم والتوجيه، بل عليك أن تجد وتجتهد في ذلك لعل الله أن يبارك في علمك، وتأخذ بالأكمل والأفضل من الرفق بإخوانك، وهذه وصية في كل من ولاك الله أمره أن تكون على رفق به، فلا تأخذ بالشدة ولا تضيق عليه، ولو جاءك الشيطان يقول: هذا حزم.

فقد يكون الأفضل في بعض الأحيان الحزم ولكن في حدود ضيقة، أما الأفضل والأكمل دائماً فهو أن يرفق الإنسان بإخوانه، قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمور أمتي شيئاً فرفق بهم فاللهم ارفق به)، حتى في مسألة التكبير إذا جاء إلى التشهد الأول، وقد حصلت مذاكرة بين بعض مشايخنا رحمةُ الله عليهم في مسألة عندما يجلس الإمام في التشهد الأول ويقول: الله أكبر، فيشعر الناس أنها للجلوس، فكان بعض المشايخ رحمةُ الله عليهم يقول: عليه أن يقول: الله أكبر، تكبيراً واحداً لا مد فيه حتى يعودهم على حفظ الصلاة، فقال بعض مشايخنا رحمةُ الله عليهم: أولاً: أنا لا أشك غالباً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتأثر تكبيره؛ لأنها طبيعة وسجية في الإنسان أنه يتأثر بحاله منتقلاً.

ثانياً: أن هذا ليس أمراً متعلقاً بالتعبد، وإنما هو رفق بالتذكير، فإذا قال: الله أكبر بالمد، رفق بالناس وذكرهم؛ لأن فيهم مشغول البال، والمهموم والمغموم والمكروب، فإذا كان الله عز وجل قد شرع سجود السهو لما ينتابهم في صلاتهم، فهذا أمر لا يستطيع الإنسان أن يخالف الفطرة والسليقة، فالرفق بالناس دائماً هو حال الكمال وهو الأفضل والأكمل.

نسأل الله العظيم أن يرزقنا الرفق وأن يجعلنا من أهله، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015