قال رحمه الله: [وبوجود الماء] بهذا أصبح التيمم زائداً على الوضوء في نواقضه، فينتقض التيمم بما ينتقض به الوضوء -وهذا ما يشترك فيه مع الوضوء- وينتقض زيادة على ذلك بأمرين زائدين على الوضوء هما: خروج الوقت، ووجود الماء.
أما وجود الماء فلأن ما شرع مقيداً بعلة يزول بزوالها، وقد شرع الله التيمم مقيداً بعلة فقد الماء أو عدم القدرة عليه كما على ظاهر السُّنة في حديث عمار، فلما أمكن المكلف أن يستعمل الماء أو وجده؛ زال الحكم بزوال علته، ولذلك يقولون: إنه إذا وجد الماء انتقض تيممه ولزمه أن يغتسل ويتوضأ؛ ودل على هذا الحكم دليل الكتاب والسُّنة: أما دليل الكتاب: فقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6] فجعل التيمم معلقاً على عدم وجود الماء، فإن وجد الماء دل على بطلان التيمم وعدم الاعتداد به.
وأكد ذلك دليل السُّنة في حديث عمران في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه صلى بالناس الفجر، فلما صلى عليه الصلاة والسلام الفجر رأى رجلاً لم يصلِّ مع الناس، فقال: عليَّ به، فلما أُتي به قال: ما منعك أن تصلي في القوم؟؟ قال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء -أي: أصابتني الجنابة ولا أجد ماءً أغتسل به فأرفع الجنابة- فقال عليه الصلاة والسلام: عليك بالصعيد فإنه يكفيك) وفي الرواية الثانية: (فلما مضى عليه الصلاة والسلام وجد الماء فبعث به إليه).
وجه الدلالة: أنه جعل الحكم بتيممه والاعتداد بالتيمم موقوفاً على عدم وجود الماء، فدل على أنه إذا وجد الماء سقطت الرخصة لاستباحة الصلاة.
الدليل الثاني أيضاً من السُّنة: ما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الصعيد الطيب طهور المسلم، ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته)، الفاء تقتضي العطف على الولاء، يعني: بسرعة، ولا تقتضي تراخياً، ولذلك قال: (فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسَّه بشرته) فدل ذلك -أولاً- على أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يبيح فعل الصلاة، ودل -ثانياً- على أنه إذا وجد الماء لزم على المكلف أن يمسه بشرته، فيزول موجب الرخصة؛ وحينئذ نحكم ببطلان تيممه ووجوب وضوئه وغسله.
قال رحمه الله: [وبوجود الماء ولو في الصلاة لا بعدها] (ولو في الصلاة) لو: -كما هو معلوم في المتون الفقهية- إشارة خلافٍ، كما ذكر خليل في المختصر في مقدمته أنه يشير بلو للخلاف، فإذا قال العلماء: ولو قائماً، فُهِمَ أن حالة القيام فيها خلاف، وأن هناك قولاً يقول بالعكس قال: (ولو في الصلاةٍ) قال بعض العلماء: نحكم بكون الماء عند وجوده موجباً لبطلان التيمم مطلقاً سواء وجده وهو فارغ من الصلاة منتهٍ منها أو وجده أثناء فعله للصلاة، فإن وجده بعد انتهائه من الصلاة؛ فهذا فيه قول واحد عند من يرى أن وجود الماء موجب لبطلان التيمم.
أما إن وجده وهو في أثناء الصلاة فعلى أصح الأقوال أنه ولو كان في أثناء الصلاة فإنه يحكم عليه ببطلان التيمم، ووجه ذلك أننا نُلزم القائلين بكون وجود الماء -على ظاهر دليل الكتاب والسُّنة- موجباً للبطلان، ونلزمهم بكونه مبطلاً حتى في الصلاة لمكان الإطلاق في الشرع: (فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته) فلم يفرق بين كونه وجده أثناء الصلاة أو وجده بعد الصلاة، ولذلك نقول: إن وجود الماء موجب لبطلان التيمم مطلقاً، سواءً كان وجوده أثناء الصلاة أو بعد فعل الصلاة والفراغ منها.
وهنا مسألة خلافية: لو أن إنساناً صلى ثم وجد الماء قبل انتهاء الوقت؛ فقال بعض العلماء بالإجزاء وأنه لا يلزمه أن يعيد الصلاة، وذلك لأن صلاته وقعت معتبرة صحيحة وأجزأته على الحالة التي كان معذوراً فيها.
وقال بعض العلماء: يلزمه أن يعيد الصلاة بعد غسله ووضوئه، فإذا وجد الماء أثناء الوقت تلزمه الإعادة.
وتوسط آخرون بين القولين فقالوا: تستحب له الإعادة ولا تجب عليه، وإن كان أقوى الأقوال أن صلاته صحيحة ولا تلزمه الإعادة.