وقوله: (من حدث أو غيره) إذا جئت -مثلاً- تريد أن تتيمم، فيكون في قلبك أنك تقصد استباحة الصلاة، سواء كان ذلك في حدث أصغر أو في حدث أكبر، ومثاله: لو أن إنساناً استيقظ لصلاة الفجر وهو جنب وأراد أن يصلي ولا ماء عنده أو عنده ماء ولا يستطيع استعماله، فقد وجد فيه مقتضى الرخصة، فإنه عند قصده إلى الصعيد الطيب -وهو التراب أو الحجر- ينوي في نفسه بهذه العبادة -وهي التيمم- استباحة الصلاة، فإذا وجدت هذه النية في حدث أصغر أو في حدث أكبر صح تيممه وأجزأه، أما لو عزبت عنه النية وضرب يده دون أن يستحضر أو تكون منه النية؛ فإنه لا يجزئه ذلك.
قال رحمه الله: [فإن نوى أحدها لم يجزئه عن الآخر] إن نوى التيمم عن الجنابة لم يجزئه ذلك عن الوضوء، وقال العلماء: لو كانت عليه جنابة وقصد رفع الجنابة دون أن يقصد بها استباحة الصلاة؛ فإنه لا يجزئه، والصحيح: أن المنبغي على المكلف إذا أراد أن يتيمم أن يقصد استباحة الصلاة المفروضة أو النافلة، فإن كانت مفروضة تقيد بالفرض حتى يخرج وقتها، وصلى بذلك التيمم الذي قصد به الاستباحة، وإن كانت نافلة كذلك أيضاً صلى به النافلة، وإن كانت غير فرض ونافلة مثل: الطواف بالبيت أو لمس المصحف؛ فإنه يتقيد بذلك الذي تيمم من أجله، فيجعل في نفسه عند ضربه لكفيه، أو يستحضر في نفسه عند ضربه لكفيه استباحة هذا المحظور الذي لا يجوز فعله إلا بطهارة.
قال رحمه الله: [وإن نوى نفلاً أو أطلق لم يصل به فرضاً] وإن نوى نفلاً لم يصل به فرضاً؛ لأن نية الأدنى لا تبيح الأعلى، فكما أنه إذا توضأ لنفل لا يصلي فريضة، كذلك في التيمم؛ والدليل على هذا: ما ثبت في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: (إنما لكل امرئ ما نوى) فقوله: (إنما لكل امرئ ما نوى) يقتضي التخصيص، فما دام أنه نوى النفل فلا يستبيح الفرض، ولذلك لو أن إنساناً أحرم بالصلاة ناوياً النافلة، وأراد أن يقلبها إلى الفرض لم يصح إجماعاً، كذلك أيضاً لو تيمم ناوياً النافلة لم يصح له أن يستبيح الفريضة.
قال رحمه الله: [وإن نواه صلى كل وقته فروضاً ونوافل] وإن نوى الفرض (صلى كل وقته) أي: وقت الفرض، (فروضاً ونوافل)، ويشمل ذلك الفروض إذا كان الوقت يسع فرضين مثل: المسافر، فلو كنت مسافراً ثم أخرت صلاة الظهر حتى دخل وقت العصر ولم تجد ماءً وأردت أن تجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر فإنك تصلي الظهر والعصر بتيمم واحد، وهكذا لو أخرت المغرب إلى صلاة العشاء، وهذا بالنسبة للفروض المتعددة.