نصيحة للزوجة التي تتضجر من زوجها لطلبه العلم

Q ما نصيحتكم للزوجة الملتزمة التي تتضجر من زوجها أثناء طلبه للعلم، وتتمنى لو لم تتزوج طالب علم وتقف أمامه عائقاً في طلبه؟

صلى الله عليه وسلم لا -والله- ليست بملتزمة! فالملتزم بشرع الله هو المحب لله والمحب لطاعة الله والمحب لكل شيء يحبب في طاعة الله عزَّ وجل، فلا توصف هذه بأنها ملتزمة صادقة في التزامها! وهل هناك أفضل وأكرم وأحب إلى الله بعد الأنبياء من العلماء العاملين؟! وهل هناك سبيل للعلم إلا بطلب العلم؟! فتضجرها من العلم وكراهتها له وقولها بلسانها أنها تتمنى أنها لم تتزوج طالب علم -نسأل الله السلامة والعافية ونعوذ بالله من الخذلان والحرمان- ينافي التزامها.

والمحروم من حُرِم الثواب: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله عزَّ وجل ما يلقي لها بالاً).

ما هو العلم؟! العلم: قال الله، قال رسوله عليه الصلاة والسلام.

فإذا كانت قالت: يا ليتني لم أتزوج بعالم أو طالب علم، فإن هذا من أعظم العقوق من الزوجة لزوجها؛ لأن هذه الكلمة تخرج من المرأة ولا تدري ما الذي يترتب عليها، من تحقير ما أمر الله بتوقيره، وإذلال ما أمر الله بإعزازه، وتحطيم لنفسية طالب العلم؛ لأنها تدمره من خلال هذه الكراهية، ومن خلال هذه الكلمات القاسية التي ربما فتنته في دينه.

فلا شك أنها كلمة عظيمة، وهذا الشأن في كل شيء فيه طاعة الله عزَّ وجل ومرضاته.

لا يجوز لأحد أن يقول مثل هذه الكلمات.

فمثلاً: لو كان عنده عامل يعمل ومحافظ على الصلوات، يقول: يا ليتني لم آتِ بك، كما يقول بعض مَن بلَغَنا عنهم من أصحاب المؤسسات الذين لهم مصالح دنيوية، إذا تخلف عمالهم في صلاة الجمعة أو الجماعة، وهو تخلف يسير ليس فيه تلاعب، أما التخلف الذي فيه تلاعب فينبغي أن نعلم أنه ليس من الصلاة، إنما هو من نفس العامل الذي ليست عنده أمانة يحفظ بها الوقت، ويأخذ الضرورة بقدر حاجتها وبقدر وقتها، فيقول: يا ليتني لم آتِ بهؤلاء العمال المسلمين.

حتى يتمنى أن يكون جاء بعمال كافرين.

اللهم إنا نعوذ بك من عمى البصيرة، فمن زاغ أزاغ الله قلبه والعياذ بالله، وهذا من الزيغ؛ أن يتهكم الإنسان من طلاب العلم من أولياء الله عزَّ وجل، خاصةً إذا عُرِفوا بالتمسك بالدين وبطاعة الله عزَّ وجل أو نفع الله بهم الأمة وصلحت أحوالهم بالعلم، فهؤلاء ينبغي أن يُكْرَمُوا وأن يُجَلُّوا وأن يُعانُوا على طلبهم للعلم، وأن تُبْذَلَ كلُّ الأسباب التي تثبت أقدامهم على هذا الطلب؛ لأن الله تعالى أمر نبيه فقال له: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:52]، ومن فوق سبع سماوات يعاتب نبيَّه عليه الصلاة والسلام في طالب علم: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:1 - 3] ما جاء للدنيا إنما جاء لطلب العلم، فعاتب الله نبيه عليه الصلاة والسلام من فوق سبع سماوات في طالب علم، وعاتبه في مجلس واحد، فكيف بامرأة كلما دخل عليها زوجها تذمرت وإذا حضر مجالس العلم تسخطت وضاقت?! إن لذة الدنيا عاجلة فانية، ولو مكث الزوج عند قدمها، وأعطاها حقها وحقوقها واستمتعت به ما شاءت، فإنه لا خير في تلك الشهوة إذا لم يباركها الله عزَّ وجل، ولا بركة في زواج ولا في شهوة ولا في لذة ما لم تكن بطاعة الله عزَّ وجل، وكم من طالب علم يُحبَس عن أهله ويُحبَس عن ولده ويُحبَس عن حقوق أهله، ولكن الله يضع البركة له في عمره وفي وقته بما لم يخطر له على بال.

فالله تولى هؤلاء، خاصةً طلاب العلم الذين عُرِفوا بالصلاح والخير ومحبة العلم محبة صادقة؛ فلا يجوز لأحد أن يخذِّلهم، حتى في المجلس، بأن تأتي تجلس فتزاحمه أو تؤذيه، فربما يكون حجرة عثرة؛ لأنه بدل أن يأتي المجلس منشرح الصدر ينقبض من تصرفاتك، حتى ولو كان بأي شيء، ولو أن تزعجه في المجلس بأصوات (الجوال)، أنا لا أبالغ، أقول هذا حقيقة، فأي إنسان كدر على طالب العلم، فسيسأله الله يوم القيامة عن ذلك؛ لأنه في روضة من رياض الجنة، والملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم، ووجبت محبة الله لطلاب العلم الذين جلسوا له سبحانه وتعالى ومن أجله ومن أجل طاعته سبحانه وتعالى.

فأمثال هؤلاء يُكْرَمُون ولا يُهانُون، ويُعَزُّون ولا يُذَلُّون، ويُرْفَعُون ولا يُوْضَعُون.

فلا يجوز للمرأة أن تقول هذا الكلام، وعليها أن تتوب إلى الله، وأن تستغفر الله عزَّ وجل.

وأوصي زوجاً تجرؤ امرأتُه على التهكم بالعلم واحتقاره وأذية العلماء أن يوصيها أن تلتزم بالأدب وإلا طلقها وأبدله الله خيراً منها، فإن الله تعالى أنزل من فوق سبع سماوات آيات معلومة في المنافقين الذين استهزءوا بالقراء.

فينبغي للإنسان أن يتقي أمثال هؤلاء.

وطالبُ العلم الذي يجلس مع امرأة بهذا الشكل وهو يعظها ويذكرها بالله عزَّ وجل ولم تتعظ بل زاد تمردها، وأصبح ديدناً لها، فإنه لن يستطيع أن يبقى على طلب العلم، ومسئوليات العلم بعد العلم أعظم من مسئولياته وهو طالب علم.

فغداً ستخذِّله عن الدعوة إلى الله وعن الخطب والمحاضرات وعن التضحية للناس، وحينئذٍ تُمْحَق بركة علمه إن أطاعها.

فنسأل الله العظيم أن يهدينا إلى سواء السبيل.

ثم هنا وصية أخيرة أختم بها: أنه لا يعني هذا أن نُغْفِل جانب حقوق النساء، فعلى طالب العلم أن يكون دَيِّناً تقياً يؤدي حقوق أهله، فمع طلبه للعلم يوفر لها حاجتها ولا يحوجها لأحد حتى تكره طلبة العلم، وعليه أن يرتب وقته وينظمه.

ففي بعض الأحيان يغفل الرجل عن امرأته إلى درجة أن تخشى على نفسها الحرام والفتنة، فحينئذٍ هو الذي يأثم، وعليه أن يتقي الله عزَّ وجل، وأن يحفظ للمرأة حقوقها، وأن يجمع بين طلبه للعلم وقيامه بحقوق أهله وولده.

انظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثاني رجل في الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كان يتخلف عن نصف العلم؛ لأنه كان يشهد يوماً، ويذهب إلى أهله وعمله في اليوم الثاني، وهذا لا يضر الإنسان شيئاً؛ لأن هناك حقوقاً لو ضيعها الإنسان فربما وقع في الفتنة، وضاع عليه علمُه وعملُه.

نسأل الله العظيم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل.

وصلى الله وسلم على نبيه محمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015