قال رحمه الله: [مسح وجهه] قال تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة:6] والوجه ما تحصل به المواجهة، وقد تقدم ضابط الوجه: أنه من منابت الشعر عند ناصيته إلى ما انحدر من ذقنه، وكذلك -أيضاً- ما انحدر من اللحيين طولاً، وأما عرضاً: فمن طرف الأذن إلى طرف الأذن الأخرى على تفصيل عند العلماء وسبقت الإشارة إليه في باب الوضوء.
فبعد أن يضرب بيديه على الأرض يمسح بهما وجهه؛ لظاهر التنزيل في قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة:6] وظاهر السُّنة في حديث عمار: (فمسح بهما وجهه) والمسح بالوجه يقع بالكفين، فلا يقع بكف دون أخرى، ويستثنى من ذلك أن يكون أقطع اليد أو مشلول اليد أو تكون بيده الثانية عاهة، فيجزئه أن يمسح بيدٍ دون أخرى؛ ولكن هل إذا مسح بيدٍ واحدة يجزيه عن تكرار الضرب؟ وجهان للعلماء: قال بعض العلماء: إن كانت له يد واحدة ضرب بها الضربة الأولى ومسح شقه الأيمن، ثم يضرب الضربة الثانية ويمسح بها شقه الأيسر؛ والسبب في هذا القول أنهم يقولون: إنه إذا مسح المسحة الأولى ذهب ما في يده، فلا يجوز أن يمسح بما فضل من طهوره الشق الثاني، والصحيح: أنه يجزيه ضربة واحدة من اليد يمسح بها الوجه كله، وهم قالوا بهذا الحكم قياساً على الوضوء، فإنك إذا توضأت بماء لم يجز لأحد أن يتوضأ به، وقد قررنا هذه المسألة أن الصحيح: أن الماء إذا توضأت به أو اغتسلت جاز للغير وجاز لك أن تعيد به وضوءاً ثانياً وغسلاً ثانياً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الماء لا يجنب) وبينا أن الأصل في الماء أنه طهور لا ينجّسه شيء -على دلالة السُّنة- إلا ما تغير فيه اللون أو الرائحة أو الطعم، فإذا ثبت أن الأصل أنك إذا اغتسلت بماء أو توضأت به جاز للغير أن يعيد الوضوء به، وكذلك التيمم أيضاً، فيعتبر قياسهم التيمم هنا بالمسح المكرر في الكف على الوضوء والغسل من باب رد المختلف فيه إلى المختلف فيه، ويعتبر دليلهم دليل التزام لا دليل إلزام.