Q طالب علم عندما يصوم صيام نافلة فإنه يتعطل عن أمورٍ منها طلب العلم، فهل يترك الصيام لكي يقوى على الطلب وقراءة القرآن، وما توجيهكم فضيلة الشيخ في هذا الأمر؟
صلى الله عليه وسلم في الحقيقة بالنسبة للصيام، صيام النافلة نوعان: الصيام المقيد، كصوم الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر والأيام البيض على القول بأنهما نوعان من الصوم، هذه لا تُرهق طالب العلم إرهاقاً يشغله عن طلب العلم.
فلا ينبغي للإنسان أن يبالغ في وصف هذه الأمور أنها تعيق عن طلب العلم، بل إنها تعين على طلب العلم، وليعلم طالب العلم أن سرور الدنيا وبهجتها، وأن أُنسه كله في طلب العلم مقرونٌ بالعبادة، وإذا أردت أن ترى طالب العلم في أكمل صوره وأجمل أحواله فانظر إليه في العلم والعمل.
الصيام عمل بالعلم، وقيام الليل عملٌ بالعلم، وكثرة تلاوة القرآن عمل بالعلم، فينبغي على طالب العلم دائماً أن لا يفرِّق بين علمه وعمله، فهما مقترنان، لكن إذا جاءت أحوال خاصة وأمور خاصة، فلا بأس بالنظر في الأولى منهما، وهذه المسائل أصبحت كثيراً ما تُطرح، ويُقعَّد فيها ويفصَّل، وهي مسائل واضحة لا تحتاج إلى إشكال.
الصحابة رضوان الله عليهم وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأخذون من سنته وهديه وسمته ودلَّه -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه- وهم في أعلى الدرجات في طلب العلم، وفي أعلى درجات التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كانوا في صيام وقيام وجهاد في سبيل الله، لا في صيام وقيام فقط، بل وجهاد في سبيل الله في ساعة عسرة، ولذلك زكاهم الله عز وجل -لتلك الأمور- من فوق سبع سماوات، وأثنى عليهم، ورضي عنهم وأرضاهم سبحانه وتعالى.
هذا كله ما ضرّهم، بل جعلهم في أحسن الأحوال وأتمِّها وأكملها، ولن يسعنا إلا ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنفوس إذا جَعلت بينها وبين العبادة والطاعة عوائق فإن الله سبحانه وتعالى يبتليها دائماً، وخذها قاعدة، إذا نويت قيام الليل بعد سهر معقول في طلب العلم، ونمت على تلك النية وهيأت نفسك، فعند ذلك تأتيك المعونة من الله سبحانه وتعالى، ويأتيك التوفيق والسداد، وتُرشد وتصيب الخير من أمورك على أتم الوجوه وأكملها.
والعكس بالعكس، فإذا تخاذل طالب العلم وقال: أنا إذا صمت لا أستطيع أن أحفظ، وأنا إذا قمت لا أستطيع أن أقوم، فإنه يختلق لنفسه أموراً قد يكون في عافية منها.
فأحسن الظن بالله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد يقول: (يقول الله تعالى: أنا عند حسن ظن عبدي بي، فمن ظن بي خيراً كان له).
والله إن أسعد أيام العمر في طلب العلم كانت الأيام التي يكون فيها الإنسان على أتم الوجوه وأكملها في قيام الليل وصيام النهار، ولن تجد والله في الصيام إعاقة، بل الصيام يعين على كل خير وبِر، فلذلك قال عبد الله بن مسعود: (من سعادة العبد كثرة الصلاة، وكثرة الصيام، وصحبة العلماء).
فلا بد من اقتران العبادة بالعلم؛ فاجتهد رحمك الله في أن تصيب الخير على أتم الوجوه وأكملها مستعيناً بالله، واثقاً محسناً الظن بالله عز وجل.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهيئ لنا من أمورنا رشداً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.