شرع المصنف رحمه الله في هذه الجملة في بيان الصيغة.
والصيغة القولية تنقسم إلى قسمين: فمن وقف وكان وقفه باللفظ فلا يخلو من أن يكون لفظه صريحاً: وذلك يكون بعبارة لا تحتمل إلا معنى الوقف، أو كناية: أي بعبارة محتملة للوقف وغيره، فللصريح حكم، وللكناية حكم.
فقال رحمه الله: [وصريحه] الضمير عائد إلى الوقف والصريح هو الذي لا يحتمل معنى غير الوقف.
قوله: [وقفت] والأصل في الوقفية هذا اللفظ، يقول: وقفت بيتي، وقفت عمارتي، وقفت مزرعتي، فهذا صريح في الوقفية.
اللفظ الثاني [حبّست] يقول: حبّست مزرعتي صدقة للمساكين، حبّست مزرعتي على ذريتي.
اللفظ الثالث: [سبّلت]، كقوله: سبّلت كتبي لطلبة العلم، فقوله: وقّفت أو حبّست أو سبّلت، هذه ثلاثة ألفاظ أجمع العلماء رحمهم الله على أنها صريحة في الوقفية.
ودليل كون هذه الألفاظ صريحة في الوقف السنة والإجماع، أما السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عمر بن الخطاب: (إن شئت حبّست الأصل وسبّلت الثمر)، فاستخدم التحبيس وعبارة التسبيل، وبذلك نجد العلماء يطلقون على الأوقاف: الحُبُس، فيقال: ولا يجوز هذا إلا في الأحباس، أي الأوقاف.
فالتحبيس والتسبيل وردت بهما السنة، والوقف هو الأصل، ولذلك يدل على الوقفية لغةً وعرفاً، فإذا قال شخص: وقفت منزلي، وقفت داري؛ فإنه إذا ثبت بشاهدة العدلين عند القاضي أنه قال هذه الكلمة حكم بالوقفية، فلو قال: قصدت غير الوقفية لم يقبل قوله؛ لأنها صريحة في الدلالة على الوقفية، ففائدة اعتباره صريحاً أنك تحكم بالوقفية دون أن تتوقف على لفظ آخر، أو على نية، أو على شيءٍ يُقرن به ذلك اللفظ حتى يُحكم بالوقفية.
إذاً صريح الوقف هذه الثلاثة الألفاظ، فمن قال: وقفت أو حبّست أو سبّلت، حكمنا بالوقفية، حتى قال بعض العلماء: إنها لا تفتقر إلى لفظ آخر حتى نحكم له بالوقفية، فصريح الوقف كصريح الطلاق، فإذا قال: طلقت زوجتي؛ حكمنا بالطلاق ولو قصد شيئاً آخر، ما لم تقم بينة أو تقم قرينة دالة على أنه لا يريد الطلاق كما تقدم معنا في كتاب النكاح.
إذاً هذه ثلاثة ألفاظ، دل على كونها صريحة دليل السنة والإجماع، وفائدة اعتبارها صريحة: أننا نحكم بالوقفية بمجرد صدورها عن المكلف دون افتقار إلى لفظ أو إلى حكم أو إلى نية.
وبعض العلماء يقول: إنه لو قال: وقّفت، ولم يقصد الوقفية، ولم ينو الوقفية، وإنما قصد معنىً آخر فإنه في الظاهر يحكم بالوقفية، لكن في الباطن لا تثبت الوقفية، كما لو قال: طلقت زوجتي، فإنها تطلق قضاءً ولا تطلق ديانة كما تقدم معنا في كتاب النكاح.
فقال رحمه الله: [وصريحه: وقفت وحبّست وسبّلت].