قال رحمه الله: [وله التقاط غير ذلك من حيوان وغيره، إن أمن نفسه على ذلك، وإلا فهو كغاصب].
يقول المصنف رحمه الله: (وله) أي: للشخص الواجد للضائع (التقاط) أي: أخذ الشيء الضال أو الضائع من غير الذي ذكرناه وهي الأشياء اليسيرة التي ليس لها قيمة، ومن أهل العلم من قال: الأفضل والأكمل أن لا يلتقطها، ومن أهل العلم من قال: الأفضل والأكمل والأعظم أجراً أن يحتسب ويأخذه صيانة لمال أخيه المسلم، ومن أهل العلم من قال: إن المسألة على الإباحة، فلا نقول الأفضل الأخذ، أو الأفضل الترك إلا بالتفصيل، فإن كان الشخص يأمن على نفسه، فيعرف من نفسه أنها لا تتعلق بهذا الشيء، وأنه سوف يقوم بحقوق التعريف، وأن يده سوف تكون يد أمانة ومحافظة على الشيء، ويغلب على ظنه أنه سوف يوصل الشيء إلى صاحبه، أو أن صاحبه سوف يعود؛ فإنه يأخذه.
وألحق بهذه الأحوال حالة ذكرها بعض العلماء ونصوا فيها على وجوب الأخذ، وهي: أن يكون الموضع الذي وجد فيه المال فيه سراق أو فساق، أو أناس لا يحفظون حدود الله وحقوق المسلمين، بحيث يأخذونها وربما استغلوها في أشياء محرمة، فيجب على الإنسان أن يأخذها في هذه الحالة، بحيث يأمن على نفسه الفتنة، ويغلب على ظنه أن هذا المال لو ترك فيأخذه فاسق، وقد يستعين به على حرام، ويغلب على ظنه أنه قد يجد صاحبه، ففي هذه الأحوال يجب عليه أن يأخذه، فإن خاف، أو وجد غيره ممن يمكن أن يقوم بهذا الأمر، فغلب على ظنه أنه إن لم يأخذه فإنه سيأتي إنسان صالح، ويغلب على ظنه أنه سيقع في يد إنسان غيره ممن يقوم بحقوق التعريف، وهذا الغير أفضل منه؛ فالأفضل الترك، ويروى هذا عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر أنهم كانوا يكرهون أخذ اللقطة، ويكرهون التعرض لها؛ لما في ذلك الورع، وابتعاد الإنسان عن المسئولية، هذا إذا خاف على نفسه، وإذا وجد الغير ولم يأمن على نفسه الفتنة.
أما إذا وجد الغير وغلب على ظنه أنه لو أخذ هذا المال فإنه يفتن به، وربما لم يأمن نفسه عليه؛ لأن النفوس تختلف والأزمنة تختلف، وربما تأتي الضائقات والحاجة، فتضطر الإنسان إلى أخذ ما حرم الله عليه، ولذلك استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين؛ لأن الإنسان إذا غلبه الدين كذب في قوله، وأخلف في وعده؛ لأنه يقهر على ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من غلبة الدين لهذا؛ وهو ذل بالنهار وهم بالليل، فالإنسان إذا غلب على ظنه أنه سيهتم بهذا الأمر، ويشغله عما هو أفضل، ويوجد غيره ممن يقومون به؛ فالأفضل أن يتركه إلى ذلك الغير، والأفضل له التورع وصيانة نفسه.
وفي حكم هذه المسألة أيضاً إذا كان الموضع أهله أهل شر؛ بحيث لو أخذ هذا المال تسبب له بفتنة واتهم بالسرقة، وتعرض للضرر، فيكون تركه حينئذ مقدماً على أخذه.
فيفصل في مسألة أخذ اللقطة أو تركها بهذا التفصيل: أن الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال مختلفة، والإنسان يتقي الله على قدر استطاعته، فما كان موافقاً لشرع الله بحيث يتأكد الحكم بوجوب أخذ اللقطة فيه، أو ندبها واستحبابها، فإنه يحكم له بوجوب الأخذ واستحبابه، وما كان بالعكس فعلى العكس، وما انتفت فيه الموانع، وانتفت فيه الدوافع، فإنه يبقى على الأصل وهو الحل.
ولذلك قال المصنف: (وله) فنص على مرتبة الإباحة، أي: يجوز له أن يأخذها، وهذا على سبيل التخيير، ويبقى التفصيل، فتارة يجب، وتارة يسقط هذا الحل، لوجود العارض عند وجود الموانع.