صحة فسخ عقد الجعالة من الطرفين

قال رحمه الله: [ولكلٍ فسخها].

شرع رحمه الله في صفة عقد الجعالة، فقال رحمه الله: [ولكلٍ فسخها].

فعقد الجعالة عقد جائز، بمعنى: أن من حقك أن تفسخ متى شئت، ومن حق الشخص الذي يقوم بالبحث أن يفسخ عقد الجعالة، ولو أن شخصاً قال: يا محمد! ابحث لي عن سيارتي الضائعة وأعطيك عشرة آلاف ريال.

فقال: قبلت.

فلما قال: قبلت التزم أن يبحث، ولو أنه بعد ما قال: قبلت، قال: لا أريد أن أبحث، فهل يلزم؟

صلى الله عليه وسلم لا يلزم؛ لأن هذا عقد جائز وليس ملزماً به.

لكن بالنسبة للشخص الذي وضع الجعل إذا قال: فسخت الجعالة، فحينئذٍ فيه تفصيل؛ لأنه في بعض الأحيان يفسخ الجعالة ويضر بمصالح الأشخاص الذين يبحثون، فمثلاً يقول: من عثر على سيارتي أعطيه مائة ألف، فيذهب الناس ويتكبدون المشقة والعناء، وفي نفس الطريق وقبل وصولهم يقول: قد فسخت.

إذاً: في هذه الحالة صاحب الجعل أو المالك لا يستحق أن يرجع عن عقد الجعالة؛ وفي ذلك تفصيل: فإذا أضر رجوعه بحق العامل وجب عليه أن يدفع للعامل أجرة العمل ما بين الاتفاق والفسخ.

وأما إذا كان لا يضر به، فإنه لا إشكال في كونه لا حرج عليه في الفسخ.

كذلك ينفسخ عقد الجعالة بالموت، فلو أن الباحث بحث ووجد ثم مات قبل التسليم، فإن العقد في هذه الحالة ينفسخ، وكذلك لو قال: من عثر على سيارتي أعطيه عشرة آلاف، ثم توفي بعد ساعة وعثر عليها بعد ساعتين، أو قال: من عثر على سيارتي أعطيه عشرة آلاف ريال، ثم بعد ذلك زالت أهليته، فكل هذا يؤثر في العقد، والعقد ضعيف من العقود الجائزة، فإذا كان لا ضرر في الفسخ، فإنه يصح فسخها من العامل ومن رب الشيء المفقود.

قال رحمه الله: [ولكلٍ فسخها فمن العامل لا يستحق شيئاً].

قوله: (من العامل) أي: إن وقع الفسخ من العامل فلا يستحق شيئاً؛ لأنه فوت على نفسه المال، وفوت على نفسه الجعل، فيتحمل مسئولية نفسه، فلو أنه بحث سنة كاملة ولم يجد، ثم قال: لا أريد أن أتم البحث، فذلك له، ويكون قد أسقط حقه بفسخه.

قال رحمه الله: [ومن الجاعل بعد الشروع للعامل أجرة عمله].

فإن فسخت الجعالة من المالك والجاعل بعد شروع العامل، أو بعد شروع أكثر من شخص في البحث والتحري وقال: فسخت؛ لزمه أن يدفع له الأجرة ما بين قوله والفسخ، فمثلاً: لو ضاعت السيارة، أو ضاعت الإبل، أو ضاعت الغنم في صحراء، والصحراء تبعد عن المدينة مائة كيلو، فخرج اثنان للبحث عنها، وبعد يومين فسخ الجاعل العقد، فكانوا قد وصلوا إلى المكان الذي فيه الشيء المفقود، فالسفر الذي تكبدوه للذهاب إلى ذلك الموضع يعتبر استحقاقاً لهم على المالك والجاعل، فتقدر أجرة مثلهم، ويفسخ العقد، ويعطيهم حقهم في هذا العمل الذي عملوه؛ لأن في ذلك تفويتاً عليهم، ويجب عليه أن يضمن لهم ذلك الحق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015