ضمان الجناية ضابطه: أن يجني الغاصب على المنفعة أو على العين أو على الاثنين معاً.
يغتصب من أخيه المسلم شيئاً فيتصرف في منفعته ولا يتصرف في العين، أو يتصرف في العين ولا يتصرف في المنفعة، أو يتصرف في الاثنين، فيلزمه ضمان المنفعة في الصورة الأولى، وضمان العين في الثانية، وضمانهما معاً في الثالثة.
مثال ذلك: لو أن شخصاً اغتصب سيارة، وقام بركوب هذه السيارة واستغلال ركوبها شهراً كاملاً، فيضمن منفعة السيارة، فقد يرد السيارة وهي تامة كاملة ليس فيها أي نقص، فالعين تامة، ولكن الذي فات باستغلاله واستهلاكه وتصرفه هو المنفعة، فيقال له: ادفع منفعة السيارة، أي: ادفع أجرة السيارة لمدة شهر، هذا بالنسبة لضمان المنفعة بالجناية والتصرف.
وأما ضمان العين بالجناية والتصرف كرجل اغتصب الزجاجة ثم كسرها مباشرة، نقول له: يلزمك ضمان هذه الزجاجة، فهو يضمن عين الزجاجة بالمثلي إذا كان له مثلي أو بقيمته إذا لم يكن له مثلي، على التفصيل الذي سيأتي في ضابط الضمان، هذا بالنسبة للجناية على العين.
ويضمن المنفعة والعين بالجناية مثل: شخص أخذ سيارة وانتفع بها شهراً، ثم بعد شهر ذهب ورماها في الوادي وأتلفها تماماً، فحينئذٍ يضمن أجرة الشهر ضماناً للمدة، ويضمن قيمة السيارة إذا لم يكن لها مثلي أو مثلها إذا كان لها مثلي؛ لأن يده أتلفت بالجناية، فحينئذٍ يضمن المنفعة ويضمن العين، هذا بالنسبة لضمان العين والمنفعة بالجناية.
بالنسبة لضمان الجناية الأصل فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً، ومن أخذ عصا أخيه فليردها) فقوله: لا يأخذ أحدكم متاع أخيه جاداً ولا لاعباً، يقول بعض العلماء: أي: أنه يورث العداوة، فالشخص حينما يكون مع أخيه فيأخذ كتابه ويأخذ قلمه ويمنعه من القلم هذا يورث الشحناء ويورث البغضاء حتى ولو كان بالمزاح، وخاصة أن الشخص لا يمزح إلا إذا رأى أخاه بحاجة للكتاب، فهذا يورث نوعاً من الحقد ونوعاً من الضغينة؛ ولذلك أقفل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الباب ومنع منه فقال: (لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً، ومن أخذ عصا أخيه فليردها) فأوجب الرد، وأوجب الضمان في الأخذ والتصرف، فدل على أن من تصرف بالشيء فإنه يضمنه، قال الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38]، (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) دل على أن ما فعله الإنسان واجترحه يضمنه، ويكون مرهوناً به فقوله: (رَهِينَةٌ) فعيلة بمعنى: مفعولة، أي: مرهونة.
وبناء على ذلك: بينت الآية أن من اجترح أذية أخيه المسلم بإتلاف عين ماله أو تفويت منفعته أو مجموع الأمرين، فإنه يكون مرهوناً بذلك الشيء ويجب عليه ضمانه.