تعيين المسافة وتعيين الهدف

قال رحمه الله تعالى: [والمسافة بقدر معتاد]: أي: ويجب تعيين المسافة، وهذا في حالة الرمي، فيجب تعيين الرماة، وتعيين المسافة التي يُرمى لها -مثلما ذكرنا في المزاريق- فإذا أرادوا أن يصيبوا هدفاً، أو يتراموا بالبعد، -كما قال بعض العلماء: إن النصل عام يشمل رمي الهدف ورمي البعد- فإذا قلنا: إنه يشمل رمي الهدف والبعد، فإنه ينبغي في هذه الحالة إذا أرادوا أن يرموا هدفاً-: أولاً: تحديد هذا الهدف، فما هو الهدف، أو الغرض الذي يراد أن يرمى ثانياً: تحديد مكان الإصابة، فتحدد -مثلاً- دوائر، يقال: الدائرة الأولى، الدائرة الثانية، الدائرة الثالثة.

أو يوضع شيءٌ في داخل الغرض، ويقال: على إصابة هذا شيء، وعلى إصابة ما في هذا العمود شيء آخر، فلابد من تحديد الهدف.

وكذلك لابد من تحديد قدر الإصابة، وعدد الإصابة، كتحديد الرمي بعشر طلقات لكل واحد.

وإذا قلنا: إن النصل للهدف وتعيين الهدف -لأن هذا مما يستعان به على الجهاد- فإنهم إذا تراموا لإصابة هدف معين، فتارة يكون كل شخص أمامه غرضه فيقال: تضرب عشر طلقات، ويكون هناك -مثلاً- مواضع مرتبة فيضرب فيها.

فتحدد عدد الطلقات، ويقال: لك عشر طلقات، فانظر كم تصيب منها، إما أن تصيبها كلها، أو تصيب أكثرها، فننظر أيهما أكثر إصابة، فيمكن حينئذٍ التفاضل من جهة كثرة الإصابة.

وتارة يقول أحدهما لصاحبه: ترمي طلقة وأرمي طلقة، على أن نصيب غرضاً معيناً، أنا أرمي ثم ترمي أنت، وترمي أنت ثم أرمي أنا.

فالأول على عدد الإصابات، والثاني على مطلق الإصابة، ثم قد يتحدد مطلق الإصابة، فهناك إصابة الهدف دون جرحه، وإصابة الهدف بجرحه، وإصابة الهدف بخزقه، وكلها لها مراتب معينة.

فالمقصود في الجهاد في سبيل الله عز وجل قوة الرمي بحيث إذا رمى في سبيل الله يكون رميه قوي الوقع.

فهو إذا رمى بالسهم حال السبق فلقوته ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يصيب السهم ويخرق وينفذ، فهذا سهم نافذ، وهذا أبلغ ما يكون في الإصابة، فيقال: لا يعطى العوض إلا لمن يخرق سهمه، فإذا أصبح شرطاً، فلا عوض ولا سبق إلا لمن خزق وخرق ونفذ السهم.

النوع الثاني من الإصابة: أن يصيب ويبقى في نفس الشيء المصاب، فلا يخزق، لكن يتعلق به، فيكون السهم معلقاً، وهي الدرجة الثانية من الإصابة.

الدرجة الثالثة من الإصابة: أن يصيب ويسقط فلا يثبت؛ لأنه يشد الوتر، فإذا كان رميه قوياً فإنه يثبت؛ لأن النصل يثبت في الهدف، فإذا كان الرمي قوياً خزق كما ذكرنا، وإذا كان دونه في القوة ثبت، وإذا كان ضعيفاً ضرب ثم سقط، فإن ضرب ثم سقط فتارة يجرح، وتارة لا يجرح.

فإذاً كل هذه تفصل وترتب، وفي زماننا قد يكون هناك نوع آخر من الإصابة، كما هو معلوم في علم الرماية، على حسب ما هو معروف في أعراف الرماة وتراتيبهم.

فالمهم أنه لابد من التعيين؛ لأن التعيين ينفي التنافس وينفي الشحناء، فإذا حدد الهدف، وحددت إصابة الهدف، وعدد الإصابة، وطريقة الإصابة، فإنه لا يأخذ السبق حينئذٍ إلا من كان مصيباً على الوجه الذي اتفق عليه بين الطرفين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015