قال رحمه الله: [ولا تصح في عوض إلا في إبل]: هذا ظاهر الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا سَبَق) فهذا معنى لا تصح، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا سَبَق) السبق بالتحريك ما فيه عوض، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا سَبَق إلا في خف)، المراد به الإبل، ولذلك قال رحمه الله تعالى: (في إبل)، وإذا كانت في إبل فلها شروط، فلا بد من تعيين هذه الإبل بأوصافها، وذواتها، فهل هي من العرابي التي لها السنام الواحد، أو بختية ذات السنامين، ويحدد المركوب منها، فيقول: هذه الناقة وهذه الناقة، فتحدد الإبل التي يراد أن ينافس عليها.
قوله رحمه الله: [وخيل]: في حديثه صلى الله عليه وسلم قال: (أو حافر)، فقوله: (أو حافر)، المراد به الخيل.
قوله رحمه الله تعالى: [وسهام]: السهام: جمع سهم، فهذه الثلاث جائز دفع العوض في المسابقة فيها؛ ولذلك قال المصنف: [ولا تصح في عوض إلا في إبل، وخيل، وسهام]، أي لا تصح المسابقة بجعل عوض من أحد المتسابقين، أو من غيرهما، إلا في هذه الثلاثة، لورود السنة بذلك.
وهذا يدل على الاختصاص؛ لأنه المفهوم من قوله: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)، فكأنه ينهى عليه الصلاة والسلام عن إعطاء العوض في غير هذه الثلاث.
وقد بينّا السبب في ذلك: أن الإبل يستعان بها على الجهاد في سبيل الله عز وجل، والخيل يستعان بها على الجهاد في سبيل الله عز وجل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود بنواصيه الخير إلى يوم القيامة) والحديث صحيح.
وكذلك أيضاً بالنسبة للنصل فإنه يستعان به على الجهاد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي).
وكما بينّا أن العوض يوغل الصدور، ويحدث الشحناء والبغضاء، إلا أن وجود المصلحة في الجهاد أعظم من هذا كله، وهذا من باب تقديم المصلحة على المفسدة، ولذلك يقولون: إنه في بعض الأحيان من حيث الأصل تقدم المفسدة على المصلحة.
ويمكن أن يقال: إن درء المفاسد وإن كان مقدماً على جلب المصالح، إلا أن جلب المصالح قد يقدم على درء المفاسد، وذهب بعض العلماء إلى أن الجهاد في سبيل الله درء لمفسدة أعظم، فيكون هذا من باب درء المفسدة الأعظم بارتكاب الأخف، وعلى هذا فإن مصلحة الجهاد وإن كان مصلحة في الظاهر، لكنها في الحقيقة رد لكلف العدو وأذيته للمسلمين، وهذا درء للمفسدة، وهذا وجيه، والقول الأول هو أوجه.