فالعقود محترمة، والشريعة تحترم اللفظ الذي بين المتعاقدين لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].
فالمؤجر والمستأجر بينهما إيجاب وقبول، فإذا صدر هذا الإيجاب والقبول فقد ثبت في ذمة المستأجر التزامه بدفع عشرة آلاف أجرةً لهذه الدار سنةً كاملة، إذاً تجب الأجرة بمجرد العقد؛ فالاتفاق والعقد بين الطرفين يوجب ثبوت الأجرة، سواءٌ أكان هذا في إجارة الدور أم الأرضين أم السيارات أم غيرها.
وقوله: [إن لم تؤجل]: فلو قال له مثلاً: بعد سنة، أو بعد شهر، أو في منتصف المدة، أو بعد مدة طالت أو قصرت على حسب الاتفاق بينهما، فإذا اتفقا على التأجيل تأجلت.
وأما الأصل فإنها لازمة بالعقد، ولذلك قالوا: تجب الأجرة بالعقد حتى تخرج من بيع الدين بالدين؛ لأنها لو لم تجب بالعقد لصار الثمن مؤجلاً، والمنافع مؤجلة، فتصير من بيع الكالئ بالكالئ، وقد قدمنا هذه المسألة وبينّا أن أصول الشريعة لا تصحح بيع الكالئ بالكالئ، والنهي عنه في حديث ضعيف أخرجه أبو داود في سننه، وقال الإمام أحمد: أجمع المسلمون على العمل بمتنه.
فهو ضعيف السند لكنه صحيح المتن، وقد يكون الحديث ضعيف السند صحيح المتن، فلو جاءنا حديث يأمر بالصلاة وهو ضعيف السند نقول: هذا ضعيف السند لكنه صحيح المتن، فليس ضعف سنده يوجب رد العمل به.
فمعنى صحيح المتن: أن العمل بمتنه لا نعتقد أنه مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هناك أصول وأدلة تغني عنه وتشهد بصحته، فتشهد تلك الأصول لا بهذا الحديث.
إذاً تجب الأجرة بالعقد، قال بعض العلماء: الأجرة في المنافع تثبت شيئاً فشيئاً، وبناءً على ذلك لو استأجر داراً يوماً فإن الإجارة تثبت ساعة فساعة على أجزاء المنافع، فكل ساعة سكنها كان مقابلها جزءاً من الأجرة العامة المتفق عليها، فلو أنك اتفقت معه على مائة وعشرين ريالاً على أن تسكن اثنتي عشرة ساعة، فكل ساعة تمضي يكون لها عشرة ريالات، فهو يستحق كل عشرة مقابل كل ساعة تمضي من ذلك اليوم والنهار (هذا في إجارة المنافع).