قال: [ولا يضمن ما تلف من حرزه أو بغير فعله ولا أجرة له]: هناك فرق في ما تلف عند الأجير المشترك بين ما يقع بفعله وبين ما يقع بغير فعله.
أما ما وقع بفعله فيضمنه، كما إذا وقع ذلك أثناء كي الثياب بأن أحرق الثوب، وأثناء خياطة الثياب بأن لم يحسن التفصيل.
وهكذا إذا طلبت من حداد أو نجار أن يصنع لك باباً أو نافذة، ومن يهندس السيارات كما في زماننا، فهذه الورشات التي تتقبل من الناس عموماً تأخذ حكم الأجير المشترك.
وبناءً على ذلك لو أعطيته السيارة ليعمل فيما يتعلق بالكهرباء، أو يتعلق بجرم السيارة، أو يتعلق بلون السيارة ليصبغها، أو يحسن سمكرتها، أو نحو ذلك، فأتلف شيئاً أثناء قيامه بهذا العمل، فإنه ضامن ويلزمه الضمان.
فما كان بفعله فإنه يضمن، كمن جاء يصبغها فأخطأ في اللون فإنه يضمن، ولو جاء يصلحها بسمكرة أو نحوها فأخطأ، أو جاء يصلح جهازها من كابح للسيارة أو نحو ذلك فأخطأ، فإنه يضمن جميع ما أتت عليه يده من الأخطاء، فيضمن ما جنت يده وما وقع بفعله وإن كان في الحقيقة يريد الإصلاح، إلا أنه حين أخطأ يتحمل المسئولية، ويتحمل ضمان ما أتلفت يداه.
لكن لو أنك وضعت عنده السيارة، ثم سرقت السيارة وكان قد حافظ عليها محافظة تامة، فكسر قفله وأخرجت السيارة ثم سرقت، ففي هذه الحالة يكون قد وضع الشيء في حرزه وتعاطى أسباب الحفظ ولم يقصر، فإذا تعاطى أسباب الحفظ كان أميناً، والأمين لا يضمن.
لكن إذا أتلف شيئاً بفعله فإنه يتحمل مسئولية الإتلاف؛ لأنه من جناية يده، فهناك فرق بين هذه الحالة وبين أن تتلف السيارة، أو يتلف الثوب أو يتلف الحديد أو الخشب المأمور بصنعه بسبب غير جنايته أو تفريطه.
فلو أنه سرق من محله وكان قد أقفله وأوثقه وأحسن حرزه وأتقن ذلك ولم يقصر في شيء من ذلك، فإنه لا يضمن؛ لأنه في هذه الحالة كالأمين؛ لأنك وضعت السيارة عنده وديعة والوديعة في حكم الأمانة كما سيأتي إن شاء الله.
وإذا كان في حكم الأمين فإنه إذا لم يقصر في حفظ السيارة فسرقت فإنه لا يضمن، ولو أنه عمل في السيارة واشتغل فيها فأدى عَمَله ولكن جنت يده أثناء القيام بالإصلاح فإنه يضمن؛ لأنه من كسب يده ومن فعله، فإذا جاء يشتغل في السيارة أو في القماش أو في الحديد أو في الزجاج، ففي هذه الحالة يتحمل مسئولية عمله وما يترتب على عمله.
وأما إذا كان التلف والضرر قد جاء بسبب سرقة، أو أخذٍ من السيارة فلم تسرق كلها وإنما سرق بعضها بعد تعاطي الأسباب نقول حينئذٍ: تنتقل المسألة إلى مسألة الوديعة؛ فالسيارة في داخل ورشته، والحديد في داخل ورشته، والخشب في داخل ورشته أمانة، فإذا جاء وقت العمل، فإنه يضمن ما أثر فيها بعمله.
وأما إذا غاب عنها، فإنه إن قصر يضمن، وإن غاب ولم يقصر فأقفل بابه، وتعاطى جميع أسباب الحفظ فسرقت فلا شيء عليه؛ لأنه أمين وقد تعاطى أسباب الحفظ، فوضع السيارة في حرز مثلها، وأغلق عليها الباب، وتعاطى جميع أسباب الحفظ المهيئة عرفاً لحفظ مثل هذه السيارة، فلا يضمن.
لكن لو أنه قصر؛ مثل أن يترك أبواب محله مفتوحة، فسرق من السيارة شيء أثناء عمله، سواءٌ أكان موجوداً أم غير موجود فإنه يضمن؛ لأنه فرط في الحفظ، والأمين إذا فرط في حفظ أمانته يضمن.
وبناءً على ذلك نقول: يأتي الضمان من جهة الإخلال أو يأتي الضمان من جهة التعدي المقصود أو غير المقصود.
وعلى هذا فإنه يقال: في الأجير المشترك التفصيل، فما كان من الضرر مترتباً على فعله ضمن، وهذا مأثور عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وشريح القاضي، وهو من أئمة التابعين، وكان قاضياً لأربعة من الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، كلهم ولي لهم القضاء رحمه الله برحمته الواسعة.
فكان يضمن الأجراء المشتركين، وكان علي رضي الله عنه يقول: لا يصلح للناس إلا هذا، يعني أن يحفظوا أموال الناس ويقوموا عليها، وهذا الأثر تقدم الكلام على سنده، لكن على القول باعتباره والعمل به، فإنه محمول على الأجير المشترك لا على الأجير الخاص.
ففي هذه الحالة رتبنا المسألة فقلنا: كل أجير مشترك يكون مسئولاً من حيث الأصل عن ودائع الناس، ويترتب على هذا أننا نضمنه فيكون مسئولاً عن أموال الناس التي عنده، فنضمنه إذا كان الضرر بفعل يده، قصد أو لم يقصد، ولا نضمنه إذا حفظ الشيء في مكانه ثم سرق أو أخذ كله أو بعضه، ونضمنه في مسألة الحفظ إذا قصّر في الحفظ.
فإذاً: عندنا تضمينه في حالة تعديه قاصداً، وفي حالة تعديه مخطئاً، وفي حالة التساهل في حفظ أمتعة الناس وحقوقهم.