وقوله: [وطبيب وبيطار].
أي: ولا ضمان على الطبيب، والطب هو حفظ الصحة الموجودة واسترداد الزائلة بإذن الله عز وجل، والطب نوعان: طب وقاية، وطب علاج ودواء.
فالطبيب لا يخرج عن هذين الأمرين: إما أنه يحرص على بقاء الصحة كما هي -وهذا ما يسمى بالطب الوقائي- وإما أن يسترد شيئاً زال -بقدرة الله عز وجل- بسبب المرض، وفي الجسم ثلاث خصائص: السوداء، والصفراء، والبلغم.
فإذا اعتدلت واستوت فالجسم في صحة وعافية بقدرة الله عز وجل، ولا يصيبه مرض إلا إذا خرج أو إذا زاد أو طغى أو بغى واحد من هذه الثلاثة.
فهذا الطب يقوم على الجانبين، والأطباء من حيث هم ينقسمون إلى أقسام: فهناك علاج بالدواء، وهناك علاج بالجراحة، والعلاج بالدواء -أيضاً- على فروع وأقسام، منه ما يتعلق بالأعضاء، ومنه ما يتعلق بالنفس والروح، فالطب النفسي شيء والطب الجسدي شيء آخر، وكلها مجالات في الطب، فإذا قال: (ولا طبيب) يشمل جميع هذه الأقسام.
ثم إذا قلنا بالطب فهناك أشخاص ينزلون منزلة الطبيب وهم مساعدو الأطباء كالممرضين والمحللين والمصورين بالأشعة.
ونحوهم ممن يستعان بهم -بعد الله عز وجل- في القيام بالمهمات الطبية، فهؤلاء كلهم لهم علوم ولهم ضوابط ولهم أصول معروفة عند أهل الخبرة والاختصاص، فالطبيب لا يضمن بشرط أن يكون عالماً بالطب، بمعنى: أن يكون قد شهد له أهل الخبرة أنه أهل للقيام بالعمل الطبي، عنده معلومات تؤهله للقيام بالمهمات الطبية، عالماً، قادراً على التطبيق كما ذكرنا، ثالثاً: أن يطبق وفق الأصول المتبعة عند أهل الخبرة، فإذا وجدت هذه الشروط في شخصه انضاف إليها في المريض وجود إذن من المريض بالمداواة، فأصبحت أربعة شروط.
لكن الشرط الأخير في الإذن بالمداواة تستثنى منه الحالات الطارئة، فالأطباء في الحالات الطارئة لهم الحق أن يعالجوا، ولهم الحق أن يداووا إذا لم يوجد من يأذن لهم بشرط وجود الإذن العام، مثل ما يوجد مثلاً في المستشفيات من اللجان الطبية التي تأتيها الحوادث العاجلة، مثلاً: حينما يأتينا المريض مغمى عليه، قد لا نعرف عنوان أوليائه، ولو غرمنا عنوانه واتصلنا بأوليائه فقد لا يحضرون إلا بعد وفاته، فتكون حالة لابد أن تجرى العملية لها، فهذا نقول: فيه إذن عام.
وهذا ذكره بعض العلماء رحمهم الله، ويعتبر إذن ولي الأمر العام إذناً للأطباء، ما دام عند الأطباء إذن عام من الولي العام بمعالجة مثل هذه الحالات الطارئة فيستلجأ إلى الإذن العام؛ لأن السلطان ولي من لا ولي له، والحالات الطارئة يفتقد فيها من يلي حفظ النظر، فولي الأمر له الحق أن يفوض لهذه الجهات أن تعالج الحالات الطارئة ولو لم يوجد الولي، ولم يوجد إذن من المريض نفسه.
ولذلك القاضي ومن في حكمه ممن له ولاية عامة ينظر لمصالح الناس وإن كانوا غير موجودين؛ لأنه ما جعل ولياً لأمر الناس إلا من أجل مصالحهم، فهذا يسمى بالإذن العام.
هذه أربعة شروط لابد من توفرها: أن يكون الطبيب عالماً، فإذا كان الطبيب جاهلاً ضمن؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من تطبب ولم يعرف منه طب فهو ضامن).