ومن عرف الله عز وجل فإن الله يغنيه، ودائماً أمور الدنيا تأتي تبعاً، حتى في قضايا وأمور العوام، فمن أنزل حاجته بالله فإن الله عز وجل يتأذن له بالفرج العاجل والآجل، ومما ذكره الأئمة: قصة ذلك الرجل الذي دخل المسجد على عظيم من عظماء الدنيا، وكان من الأئمة والخلفاء، فانتظره حتى صلى الفجر ثم صلى بعدما طلعت الشمس، فوجد هذا الرجل الخليفة بعدما صلى رفع كفه يدعو ربه، فلما رآه يرفع يديه إلى الله عز وجل قال: سبحان الله! هذا يسأل ربه وأنا أسأله حاجتي! فلما رأى ذلك استغنى بالله، واعتقد في قرارة قلبه أنه ينبغي أن يكون فقره إلى الله لا إلى شيء سواه، فانصرف من المسجد وفي نيته ذلك، ولما خرج رجع إلى عياله وولده فأدركته الهاجرة والظهيرة في كهف، فدخل الكهف وهو في شدة الإعياء والتعب وفي حيرة من أمره كيف يقول لأهله وولده! فلما أراد أن يضع رأسه إذا به في مكان مشرف ومرتفع، فأراد أن يسوي حتى يضع عليه ما يرتفق به من فراشه، فإذا به بشيء كالفخار قد انكسر فوقعت يده على جرة مملوءة ذهباً، فحصل من خير الدنيا، مع ما حصله من أجر الآخرة.
ومن ألذ المقامات وأهنأ الساعات وأشرف اللحظات لحظة الاستغناء بالله جل جلاله؛ لأنها تعني معاني كثيرة، فانظر كيف محبة الله لمن يدعوه، وانظر كيف يحب الله السؤال؛ لأن السؤال يدل على التوحيد، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)؛ لأن الذي يرفع كفه سائلاً لله معناه أنه يؤمن بوجود الله، ويؤمن بأن الأمر كله لله، وأن الغنى العز من الله، وأن أمان خوفه من الله، وأن كرامته وعزته من الله؛ فرفع الكف إلى الله الذي لا يسأل سواه.
فإذا كان العبد في مقام عرضت عليه الدنيا وعرضت عليه الآخرة فآثر الآخرة؛ فإن الله سبحانه وتعالى يعوضه عن الدنيا مع ما حصل من قصد التوحيد؛ لأن انصرافك عن الدنيا باعتقادك أنك مع الله وأن الله سيغنيك، هي منزلة من منازل التوحيد، ومنزلة من منازل اليقين بالله سبحانه وتعالى.