هذا بالنسبة للمدة القصيرة، أما الإجارة بالمدة الطويلة فهي أن يستأجر منه الدار عشرين سنة، أو يكتب العقد على أرض أن يأخذها للزراعة ثلاثين سنة، أو نحو ذلك من المدد الطويلة.
فمسألة إجارة الأرضين والدور والأشخاص مدة طويلة فيها خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، ومن حيث الأصل فجماهير العلماء من السلف والخلف على جواز الإجارة مدة طويلة؛ لكن بشرط: أن يغلب على الظن بقاء العين المؤجرة، وإمكان الانتفاع بها، وبشرط: ألا يكون هناك غرر في ارتفاع الأسواق وانخفاضها على شكل مؤثر على المستأجر والمؤجر.
إذاً: المسألة من حيث الجملة بالإجارة للمدد الطويلة: فالجماهير من السلف والخلف: على أنه يجوز أن تؤجر الدار أو الأرض أو المساكن مدداً طويلة إلى عشرين سنة أو إلى ثلاثين سنة، لكن بالشرطين الذين ذكرناهما: أولهما: أن يغلب على الظن بقاء العين، وإمكان الانتفاع مدة الإجارة.
والشرط الثاني: أن يُؤمن الضرر والغرر الموجود في ارتفاع الأسواق وانخفاضها.
ولكن بعض العلماء يقول: العبرة عندي بالشرط الأول دون الثاني، وفي الحقيقة: أن قوله وجيه، أن العبرة بالشرط الأول دون الثاني؛ لأن الغنم بالغرم في قواعد الشريعة في الشرط الثاني؛ لكن الشرط الأول أهم من الشرط الثاني؛ لأن المقصود من عقد الإجارة: هو بقاء العين وحصول الانتفاع الذي من أجله دفعت الأجرة والتزم المؤجر والمستأجر بعقد الإجارة، فإذا غلب على الظن بقاء العين إلى ذلك الأمد المتفق عليه بين الطرفين، فلا إشكال بالجواز، وهذا إذا كنا قد تحققنا من وجود الشرط؛ لكن لو كانت الدار متهدمة، أو كانت الدار ضعيفة البنيان، أو كانت الأرض بحالة يغلب على الظن عدم سلامتها للمدة المتفق عليها، فإنه يكاد يكون بالإجماع على أنه لا يصح التعاقد على هذا الوجه، وإذا سُكت عن الدليل فتقول: إن الأصل يقتضي عدم جواز الغرر، وإذا أجره داراً قديمة يغلب على الظن سقوطها وتهدمها قبل تمام المدة المتفق عليها بين الطرفين فقد غشه وغرر به، والغرر لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر كما في الصحيح.
إذاً: قلنا من حيث الأصل: إذا كانت المدة طويلة في إجارة الدور والأرضين فحصل الشرط من غلبة الظن بالسلامة وبقاء المنافع، وغلبة الظن أيضاً بالسلامة من حصول الضرر بالانتفاع وعدمه عند من يقول باشتراط هذا الشرط، فيبقى
Q هل هذه المسألة فيها خلاف أو إجماع؟ إذا قلنا: اختلف العلماء، فجماهير العلماء يقولون: يجوز إجارة الدور والمساكن مدة طويلة، بشرط: غلبة الظن ببقائها، كما ذكرنا.
وقال بعض العلماء كما هو في مذهب المالكية والشافعية: لا يجوز إجارة الدور والمساكن مدداً طويلة، ومنهم من يطلق، ومنهم من يقيد، فعند الشافعية قولان: قيل: لا يجوز مطلقاً أن يؤجر الدار أكثر من سنة، وإنما إذا كان يريد أن يؤجرها فيؤجرها سنة فقط ولا يزيد عليها.
والقول الثاني يقول: يجوز بشرط أن تكون هناك مدة معينة كثلاثين سنة، وإذا جاوزها فلا يجوز، وإذا كان أقل منها يجوز، فأصبح عند أصحاب هذا القول.
والذين منعوا من أصحاب القول الثاني وانقسموا إلى الوجهين الذين ذكرناهما، حجتهم: أن الدار قد تتهدم، وأن المساكن قد تتغير، والمنافع تتضرر بحصول المدة الطويلة، ولذلك قالوا: لا يجوز للمسلم أن يؤجر على هذا الوجه؛ لما فيه الغرر، وفيه من تعريض مال المسلم إلى أكله بالباطل.