المسألة الأولى: إذا أطلقت الشهور في عرف المسلمين فإنها تنصرف إلى الشهور القمرية لا الشهور الشمسية، وبناءً على ذلك: فالعبرة بالشهر القمري.
المسألة الثانية: إذا كانت العبرة بالشهر القمري، فينبغي أن يعلم أنه إذا حدد شهراً معيناً فإن الإجارة تتعلق بذلك الشهر تاماً أو ناقصاً، فالشهر القمري يكون تسعة وعشرين يوماً ويكون ثلاثين يوماً.
أما الدليل على أن الشهر يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين، فإن الله تعالى يقول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة:189]، فجعل الله الهلال ميقاتاً للشهر، فأي مؤمن تعاقد مع أخيه المسلم على شهر معين، كشهر شوال مثلاً، فإننا نحتسب شوال بثبوت دخوله بالهلال، ونحتسبه خروجاً عند ثبوت نقصه تسعاً وعشرين، وعند عدم وجود رؤيته يتم ثلاثين يوماً.
أما الدليل الثاني من السنة على أن الشهر يكون تسعاً وعشرين فقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا) فجاءت روايتان: رواية قال فيها عليه الصلاة والسلام: (الشهر هكذا وهكذا)، ورواية قال فيها: (الشهر هكذا -وعد ثلاثين- ثم قال: وهكذا -وعد تسعاً وعشرين وقبض الإبهام في المرة الثانية)، فقوله عليه الصلاة والسلام: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) يدل على أنه لا عبرة بالتقويم، إنما العبرة بثبوت نقص الشهر ثبوتاً صحيحاً، فإذا لم تثبت الرؤيا أن الشهر تسعة وعشرون فإنه يتم ثلاثين يوماً.
فلو أن اثنين اختصما في شهر، واستأجر منه الدار شهر ربيع الأول، ومكث في شهر ربيع الأول، وثبت بالرؤية أنه تسع وعشرون يوماً، ورئي الهلال لربيع الثاني، فقال المستأجر: أنا استأجرت شهراً كاملاً.
وقال المؤجر: الشهر تسع وعشرين.
فالتزم المستأجر أن يبقى في البيت أو يبقى في السكن يوماً يتم به ثلاثين، وقال: الشهر ثلاثون يوماً، نقول: إن اليوم الثلاثين لاغٍ بحكم الشهر، ويلزمك الخروج، وتسليم الدار بمجرد ثبوت نقص الشهر السابق.
والعكس، فلو أن الشهر لم يثبت نقصه فقال المؤجر للمستأجر: إنه ناقص في الحساب الفلكي والتقويم، نقول: وليس من حقك أن تخرجه حتى يثبت نقصه برؤية هلالية، وحينئذٍ يكون ثلاثين يوماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة)، فلما قال: (أكملوا العدة) علم أن الشهر لا بد من تمامه وكماله بالثلاثين.
وهذه المسألة مهمة؛ لأنه يتفرع عليها أكثر من خمسين مسألة في المعاملات والعبادات، والأيمان والنذور ومسائل في الطلاق، ومسائل في العدد والإحداد، كلها تترتب على مسألة نقص الشهر وكماله.
فالأصل الشرعي الذي عليه جماهير السلف والخلف والأئمة كلهم، إلا قولاً شاذاً عن ابن سريج رحمه الله عليه من أصحاب الشافعي؛ على أن العبرة في الشهر تاماً وكاملاً بالرؤية، وأنه إذا لم ير الهلال فإنه يلزم تمام الشهر ثلاثين يوماً؛ لأن النص في هذا واضح، وقال عليه الصلاة والسلام: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) فهذا دليل على أن الشهر لا يكمل إلا بالثلاثين.
لكن لو قال له: أجرني هذه الدار شهراً من غد -والغد عشرة في الشهر- فهل يتم ثلاثين يوماً، أم أنه يكون فيه التفصيل؟
صلى الله عليه وسلم يتم ثلاثين يوماً بالإجماع؛ لأن الأصل في الشهر أنه ثلاثون يوماً.
وتتفرع عليه مسائل كما ذكرنا مثلاً في الكفارات، مثل: كفارة القتل: إذا صام شهرين متتابعين، فإذا ابتدأ من ربيع وثبت نقص ربيع وربيع الذي يليه، لأنه قد يأتي شهران متعاقبان ناقصين، لكن قالوا: لا تأتي أربعة أشهر متعاقبة بالنقص.
فالشهران إذا جاءا ناقصين، فمعنى ذلك: أنه يصوم ثمانيةً وخمسين يوماً وتجزيه، لكن لو أنه ابتدأ صيام الكفارة شهرين متتابعين من عشرة في الشهر الأول فينتهي بتمام ستين يوماً يصومها تامة كاملة.
إذاً: يفصل في الإجارة على نفس هذا التفصيل، أنه إذا قال له: أستأجر منك هذه الدار شهراً أو شهرين، وكان ذلك بعد دخول الشهر بيوم، فإننا نحتسب له المدة ستين يوماً في الشهرين، وثلاثين يوماً في الشهر الواحد، وما زاد فبحسابه، وهذا كله -كما ذكرنا- إذا استأجر الدار أو المستودع أو الغرفة أو المنزل أو الحوش ونحو ذلك مدة، فإننا نقول بجوازه، سواء كانت المدة بالساعات أو بالأيام أو بالأسابيع أو بالشهور.
لكن بالنسبة للإجارة بالسنوات، فإذا قال: إنه استأجر من أول ربيع وأسندها إلى سنة معينة، فحينئذٍ تصح السنة من بداية محرم إلى نهاية ذي الحجة من السنة نفسها، وهذا إذا أسند الإجارة إلى سنة معينة، أما إذا قال له: أستأجرها من الآن سنة كاملة فإنه يحتسب ثلاثمائة وستين يوماً كاملة إلى حسابها من الشهر الذي وقعت فيه الإجارة هذا بالنسبة للمدة القصيرة.