حكم عقد الإيجار المنتهي بالتمليك

إذاً: لابد وأن يكون العقد وارداً على المنفعة لا على الأجزاء، وجزء الشيء: القطعة منه والبعض منه.

وبناء على ذلك: لا يصح أن يعقد على دار إجارة وهو يريد أن يملكه أجزاءها، وهو مثل ما يسمى الإجارة بالتمليك، لأن الإجارة شيء والبيع شيء، فإذا أراد أن يبيع قال: بعتك.

وإذا أراد أن يؤجر قال: أجرتك.

أما أن يقول: بعتك وأجرتك، أو: أجرتك وبعتك، فلا يمكن؛ لأن الشريعة لا تريد تداخل العقود؛ لأن تداخل العقود لابد فيه من الإضرار بمصلحة المستأجر أو المؤجر أو هما معاً؛ وتداخل العقود في الشريعة يوجب فوات الحقوق، وخثل أحد الطرفين لا محالة.

فالرجل إذا اتفق مع الغير أن يستأجر بيته فإنه لا يملك إلا السكنى، وليس من حقه أن يتصرف في ذلك البيت خارجاً عن هذا العقد، وبناءً عليه نقول: أولاً: إن عقد الإجارة على المنفعة وليس على الذات ولا على أجزاء الذات.

ثانياً: نفهم من هذا أن العلماء لا يقولون: إن الإجارة كالبيع، أي: أنها تأخذ حكم البيع من كل وجه، بل إن الإجارة واردة على المنفعة، والبيع وارد على الذات، فالإجارة لا ترد على الذوات ولا ترد على الأجزاء، ولا يمكن أن يقول له: أؤجرك البرتقال لتأكله؛ لأن أكل البرتقال ملكية لذات البرتقال، وأياً كان ذلك الطعام فإن هذا المطعوم إذا بيعت أجزاؤه وانتفع بأكله، فإن أكله يكون استهلاكاً للذات وهذا بيع، والإجارة استهلاك للمنفعة وليست باستهلاك للذات.

وبناءً على ذلك: فإن عقد الإجارة المنتهي بالتمليك في العقارات أو في المنقولات من سيارات أو غيرها لا يصح، وذلك لأسباب: أولاً: أن الإجارة تستلزم ملكية المنفعة، وهذا العقد منصب على المنفعة مع الذات.

ثانياً: أن هذا النوع من العقود يؤدي إلى عقدين في عقد على وجه الغرر.

وتوضيح ذلك: أنه يقول له: أؤجرك هذه السيارة أربعة وعشرين شهراً، ثم تدفع خمسة آلاف وتملكها، فحينئذ معناه: أنه يريد أن يضمن منه أن يستأجر أربعة وعشرين شهراً، ثم بعد ذلك يملك السيارة بعد الأربعة والعشرين شهراً، فنسأل: هل العقد عقد بيع أو عقد إجارة؟ إذا قال: هذا عقد بيع.

قلنا: إن الأربعة والعشرين شهراً لو امتنع المستأجر في أول الفترة أو في نصفها أو بعد شهر أو شهرين، ثم أخذ منه مالك السيارة السيارة، فأصبح إجارة وليس بيعاً؛ لأن الإجارة هي التي يملك فيها البيع ويملك استرداد العين عند تعذر الإجارة، إذاً: ليس ببيع، وإن كان بيعاً في الظاهر، لكن في الحقيقة لا تنطبق عليه أوصاف البيع.

فلو قال قائل: هو بيع في المآل، أي: أنه خيره، فقال له: بعد الأربعة والعشرين شهراً إذا أردت أن تملكها فادفع خمسة آلاف.

نقول: باعه بعد أربعة وعشرين شهراً شيئاً -الذي هو السيارة- فلا ندري هل تبقى بعد أربعة وعشرين شهراً أو يأتي شيء يتلفها، ولا ندري هل تبقى على الصفات الكاملة، أو خلال الأربعة والعشرين شهراً مع الاستهلاك تتغير أوصافها وتتضرر، إذاً: لا يشك أحد في وجود الغرر.

ولا تصح -كما قلنا- بيوع الآجال، كأن يقول له: بعتك سيارتي بعد ثلاث سنوات أو بعد أربع سنوات، لا يمكن هذا؛ لأنه بيع لشيء لا ندري هل يسلم أو لا يسلم، وإذا سلم هل يبقى كاملاً أو ناقصاً.

ثالثاً: هب أن البيع صحيح، وهب أنه في الظاهر عقد بيع.

نقول: لو صح البيع إلى أجل -أي: إلى بعد سنة أو سنتين- فنقول: باعه بشرط أن يستأجر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط.

فهنا أمور أولاً: تداخل العقود، وثانياً: أنه باعه مجهولاً لا يدري عن حاله، وثالثاً: لم تطبق أحكام البيع على المبيع خلال مدة الإجارة، فهو بائع وغير بائع، بائع في العقد لكن في الحقيقة والمضمون لو عجز المستأجر ألزمه برده، وهذا هو المقصود.

وقد يقال: المقصود: أن أضمن الأقساط.

وإنما سموه إجارة من باب ضمان الأقساط، ونحن نقول: فهذا لا تجيزه الشريعة؛ لأنه إذا اتفق مع شخص على بيع سيارة بعشرين ألف ريال، وأعطاه إياها أقساطاً على عشرين شهراً، وتعذر على المشتري أن يدفع الأقساط لعسرة، فنظرة إلى ميسرة، أو يعطى حكم الخيار على التفصيل المعروف في البيع، وعندنا حلول شرعية أفضل من هذا وأتم وأكمل، فلو مات المستأجر خلال هذه المدة فإنه قد أسس له حقاً بعد أربعة وعشرين شهراً، فلا ندري إذا مات هل هذه السيارة ملك له وتأخذ حكم الميراث أم ليست ملكاً له؟ ولذلك يقول بعض الفقهاء: من أعجب ما وجد في شروط الشريعة: أنها تيسر للقاضي الحكم عند الطوارئ، فتقفل أبواب الجهالة في العقود، فإذا انطبقت شروط الإجارة وشروط البيع، ووقعت الإجارة على السنن، ووقع البيع على السنن؛ فلا يمكن أن تقع خصومة في بيع أو إجارة إلا وعرفت حق كل ذي حق.

مثال: لو أن أجيراً استأجرته شهراً كل يوم بكذا ومات أثناء الشهر، فحينئذٍ يكون معروفاً ما الذي له وما الذي عليه، لكن لو مات الذي في عقد الإجارة المنتهي بالتمليك في سيارة أو أرض، فلا ندري حينئذٍ هل هو مالك للأرض فتكون قد دخلت إلى ملكية الورثة، ونلزمهم بالدفع فيما بقي، فننزله منزلته على أن البيع قد تم في الأول، أو هو ليس بمالك بل مستأجر، ثم تنطبق مسألة موت أحد المتعاقدين، وهل يلزم الورثة بإتمام العقد أو لا؟ فيحدث نوع من الاشتباه في العقود، ولذلك فالغرر موجود من حيث الجهالة في صفة المبيع إذا قيل: إنه بيع.

وثانياً: تداخل العقود على وجه يوجب الخصومة والشحناء.

وثالثاً: أن المبيع لا ندري عن حاله بعد الأشهر.

ولو قلنا إنه بيع، فإنه بيع وشرط، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، ولذلك لا يعرف هذا النوع من العقود عند المسلمين، ولم يذكر العلماء رحمة الله عليهم شيئاً يسمى إجارة تنتهي بتمليك أبداً، وهذه دواوين العلم وكتب الفقه موجودة، ومن أراد أن ينسب عقداً شرعياً إلى الشرع فعليه أن يتتبع كلام العلماء وأصولهم.

وعلى هذا: فإنه لا ينعقد عقد الإجارة على الأجزاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015