حكم أخذ مال الزوجة بدون رضاها

Q أموال المرأة التي تكتسبها من عملها لو أنفقت على المنزل هل تكون ديناً على الزوج، أم تكون مساهمة منها مع زوجها؟

صلى الله عليه وسلم المرأة إذا عملت وكان لها مال استفادته من عملها فالمال مالها، ولا يجوز للزوج أن يتدخل في راتب زوجته، ولا أن يعتدي على ذلك المال، وليس من حقه ذلك، وليس من حقه أن يتعب المرأة ويقول لها: اعلمي وراتبك لي.

فهذا لا يصنعه كريم، ولا يجوز شرعاً له أن يفعل ذلك، ورخص فيه بعض أهل العلم.

لكنه لا يجوز للرجل أن يقول للمرأة: اعملي.

ويأخذ عرق جبينها وتعبها ونصبها، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: (ثلاثة أنا خصمهم، ومن كنت خصمهم فقد خصمته.

ورجل استأجر أجيراً فلم يوفه أجره) فانظر كيف عظم الله عز وجل مال الأجير ومال العامل إذا اعتدى عليه الغير فأخذه بدون وجه حق! الزوج يملك الاستمتاع بالمرأة، وإذا أراد أن يأذن لها بالعمل واتفقا فيما بينهما على تقسيم الراتب بينهما، فهذا شيء يرجع إلى المرأة باختيارها وبرضاها بدون إكراه، وإذا أكرهها الزوج على ذلك وظلمها فإنه لا يستحق هذا المال، والمال بالإكراه لا يستحق، وهكذا إذا غلبها بسيف الحياء فأحرجها، فأي رجل يحرج امرأته ويأخذ من مالها فإن الله ينتزع البركة من المال الذي يأخذه، مع ما ينتظره بين يدي الله عز وجل من السؤال والمحاسبة.

وإذا أراد الإنسان أن يسلم وأن يكون بعيداً من البلاء فإياه أن يتعرض لحقوق الناس، وخاصة إذا كانوا من الأقربين، فإن الظالم لأهله وولده يخشى عليه، فإن عواقب الظلم للأقربين عواقب وخيمة، حتى ذكر بعض العلماء أن عقوبتها معجلة، ولذلك تجد الذي يعق والديه كثيراً لا يأتيه البلاء آجلاً بل يكون عاجلاً.

فالمظالم للأقربين سيئة، وخاصة بالنسبة للأكل والطعام والمال، ولا شك أن من أعظم الظلم أن يجلس الرجل السوي القوي -الذي يمكنه أن يتكسب ويمكنه أن يعمل- في بيته ثم يأمر زوجه بالخروج والكد والتعب عليه، وهو يأكل ويشبع ويروى من كسب امرأته، فهذا ليس من خير الرجال، بل هو من ألأم الرجال، ولا يجوز لأولياء المرأة أن يسكتوا على مثل هذا الزوج الظالم إذا رأوا أنه يأكل مال أختهم أو قريبتهم، بل عليهم أن يذكروه بالله وأن يرفعوا الظلم عن قريبتهم.

فمثل هذه الأمور التي انتشرت وذاعت بسبب ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله عز وجل ومراقبته عواقبها وخيمة، ومن أخطر ما يضر الإنسان في دينه وخشوع قلبه واستقامة عمله: طعمة الحرام، فكم من آكل وطاعم قذف في جوفه طعمة حجب الله بها قبول صلاته وزكاته واستجابة دعائه، فليتق الله المسلم، وليحذر من الطعم الحرام، ومن أذية المرأة في حقها ومالها، فهذه أمور ينبغي التنبه لها.

وإذا اتفق الزوجان بالرضا وبطيبة النفس، وأنفقت المرأة برضاها وطيبة نفس منها؛ فإن الله يأجرها، ولتعلم المرأة المسلمة الموفقة الصالحة أن الله إذا وفقها فاكتسبت، وحفظت زوجها وأعانته على طلب العلم، كأن تكون هي موظفة ويكون زوجها -مثلاً- طالب علم يحتاج إلى نفقتها فحملته وقامت عليه، فنعم المرأة! وهذه امرأة مباركة، وعلى الزوج أن يحفظ هذا الحق وهذا الجميل، وأن يعلم أن الله عز وجل إذا علم منها أنها منفقة عليه بطيبة نفس فقد أنعم عليه بهذه المرأة الصالحة، فليحفظ هذا الجميل ولا يضيعه، ويكون كريماً، يحسن ولا يسيء، ويكرم ولا يهين.

فإذا أنفقت عليه وقامت عليه حتى يطلب العلم، أو أنفقت عليه وقامت عليه بسبب عجز أو عاهة فهذه لا شك أنها من أصلح النساء وامرأة مباركة، وهذا المال الذي تنفقه سيخلفه الله عليها، ولتبشر بكل خير ما دامت أنها في رضا الله عز وجل ثم في رضا زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وماتت وزوجها عنها راض؛ قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت) إذا كانت المرأة صالحة، وتنفق على زوجها وبيتها، فهذا شأن النساء الفاضلات، وهناك نماذج طيبة من هذا النوع.

كان سفيان الثوري رحمه الله، يتيماً توفي أبوه وهو في الصغر، وأراد أن يعمل ويكسب لينفق على نفسه وعلى إخوانه، فقالت له أمه: يا بني! اطلب العلم أكفكِ بمغزلي.

فكانت رحمها الله برحمته الواسعة تغزل وتبيع من غزلها حتى قامت على البيت وعلى ولدها، فأصبح سفيان ديواناً من دواوين العلم والعمل، وإماماً من أئمة المسلمين، ولا شك -إن شاء الله- أنه في ميزان حسناتها، فطابت تلك اليد الطيبة! وطابت تلك الأم التي رزقها الله القلب الحنون والقلب الصالح حتى سعت وكدت وتعبت من أجل سعادة ابنها.

فلا بأس أن المرأة تتحمل نفقات بيت الزوجية وتتحمل تبعاته، لكن لو أنها قالت لزوجها: أنا أنفق على بيت الزوجية، وإذا فتح الله عليك رددت إلي مالي أو رددت علي ما أنفقت.

فلا بأس بذلك، فإن هذا أشبه بالدين، ويكون حقاً على الزوج، فتنفق على بيت الزوجية مما يجب عليه، ثم بعد ذلك يقضي لها حقها بالمعروف، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015