Q إذا ترك العامل جزءاً من أجرته ومضت فترة ولم يرجع، فماذا يُعمل بهذا المال، خصوصاً إذا كان مما ينمو؟
صلى الله عليه وسلم إذا اتفقت مع العامل على أن يقوم بعمله، وأعطيته أجرة؛ فإن هذه الأجرة حق من حقوقه، ولا يجوز لك أن تتسبب في ضياع هذا الحق، فتكتب وصيتك وتُشْهِد على هذا المال أو تنبِّه ورثتك على أن هذا المال لفلان العامل، ثم تتعاطى جميع الأسباب الممكنة لك في الاتصال به والبحث عنه، وتوصية من يمكن أن يوصلك إليه، ونحو ذلك من الأسباب.
فإذا استنفذت جميع الوسائل وجميع الأسباب فحينئذٍ تحفظ له حقه وتنبه عليه.
والأجرة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون على الذمة، كأن تقول له -مثلاً-: ابنِ لي هذه الغرفة بصفة كذا وكذا، وأعطيك خمسة آلاف ريال، فقام ببناء الغرفة وأخذ منك ألفين مقدمةً، وبقيت له ثلاثة آلاف، ثم غاب الرجل وفُقد، ففي هذه الحالة الأجرة غير معينة، يعني: تبقى في ذمتك ثلاثة آلاف غير معينة، وسننبِّه على معنى التعيين، بحيث أنك تلتزم بدفع ثلاثة آلاف فقط، وليس هناك نماء للثلاثة آلاف، ولا يتصل بها ربح، وفي أي وقت يأتيك -ولو بعد عشرين سنة ولو بعد مائة سنة- يكون مستحقاً للمبلغ الذي بقي له في ذمتك.
الحالة الثانية -وهي أصعب الحالات-: أن تقول له -مثلاً-: افعل -مثلاً- شيئاً وأعطيك هذين الرأسين من الغنم أو إذا بنيت هذه الغرفة فهاتان الشاتان أو هذا البعير أو هذه الناقة لك، فهذا يسمى التعيين والأجرة العينية المعينة، والأجرة المعينة يستحق العامل فيها عين ما سُمي له، وفي هذه الحالة لو أنه مَلَك رأسين من الغنم، وهذان الرأسان تكاثرا، وحصل منهما النسل والدَّر، فإنه مالُه، ويستحقه بنمائه ولو أصبحت ألفاً من الغنم؛ لأنه ماله بعينه، وقد سميتَ الأجرة، وهذا هو الفرق، وانظروا إلى حكمة هذا الشرع ودقة هذه الشريعة! فلن تجدوا على وجه الأرض أدق من هذا الحكم الإلهي الذي أعطى كل ذي حق حقه.
فأنت إذا قلت له: أعطيك هذين الرأسين من الغنم، فقد عيَّنت.
وإذا جئت إلى أي محل تجاري وقلت له: بكم هذه العلبة؟ فأخذت هذه العلبة بعشرة ريالات، ثم ذهبت إلى البيت فوجدت في العلبة عيباً، فمن حقك أن تقول له: اردد لي العشرة ريالات.
ولو قال لك: أعطيك علبة بديلةً لها فليس من حقه؛ لأن البيع انصب على عين، وهذا شيء يجهله كثير من الناس؛ لكن الشريعة تقول: إذا انصب العقد على شيء معين، فلا يمكن أن ينصب على غيره.
لكن لو قلت له: أعطني علبة، أعطني كذا -يعني: يكون الكلام على موصوف في الذمة- فحينئذٍ إذا رددت علبة من حقه أن يقول: لا أعطيك العشرة، ولكن أعطيك بدلاً عنها بالصفة المتفق عليها.
إذاً: العامل إذا كانت أجرته معينة فيستحقها بعينها، وما نتج منها من نتاجها منفصلاً ومتصلاً.
وأما إذا كانت أجرته من دون تعيين، فحينئذٍ الحكم على ما ذكرناه، من أنك تكتب الوصية وتثبت له الحق وتستنفد جميع الأسباب والوسائل، فإذا جاء في أي يوم أعطيته حقه، وهذا من حق المسلم على المسلم.
فإذا لم يجئ فقال بعض العلماء: إذا طال العهد وغلب على الظن عدم تيسر الرجوع فلك أن تتصدق بالمال على ذمته، وهذا أفضل وأكمل، وإن أكلت ذلك المال فإنه أصلاً مبني على اللقطة، والله تعالى أعلم.