قال رحمه الله: [ولا يُقْسَم مع بقاء العقد إلَّا باتفاقهما]: قوله: (ولا يُقْسَم): المال في المضاربة.
(مع بقاء العقد): عقد المضاربة.
(إلَّا باتفاقهما): أي: باتفاق الطرفين.
صورة هذه المسألة: لو أعطاه عشرين ألفاً، وقال له: خذها، اضرب بها في الأرض وتاجر بها، فأخذها ووضعها في تجارة العطور -مثلاً-، وبعد شهور ربحت هذه العشرون ضعفها، وفي هذه الحالة لو أصبح المال -مثلاً- أربعين ألفاً: عشرون رأس المال، وعشرون ربحاً، فهذه العشرون التي هي ربح موجودة في أعيان، عشرةٌ منها نقدٌ وسيولةٌ، وعشرةٌ منها في المحل، فأصبح رأسُ مال المحل ثلاثين ألفاً، وعشرة آلاف سيولةً، فقال العامل لرب المال: يا فلان! لو أن هذه العشرة قسمناها بيننا بما اتفقنا عليه؟! الأصل الشرعي يقتضي أن المضاربة لا يُقْسَم فيها المال إلا بعد أن تصفى الحقوق، ويُرد رأس المال إلى رب المال، ثم يُجبر ما في المال من حقوق، وتُفك الرهونات وغير ذلك من الاستحقاقات من الديون وغيرها، ثم يُقْسَم بعد ذلك الربحُ؛ لكن لو أن الطرفين اتفقا على هذه العشرة آلاف أن يقسماها بينهما فحينئذ قال بعض العلماء: من حقهما ذلك؛ لأنه لو حصل انكسار فسيكون على الطرفين.
وقال بعض العلماء: ليس من حقهما ذلك؛ لأن المضاربة لا زالت قائمة، فلربما حصل انكسار إلى درجة دخول الانكسار على رأس المال، صحيحٌ أنهما الاثنان أخذا العشرة آلاف مقاسمةً، فقد يكون هناك خسارة حتى تدخل على رأس المال، والخسارة التي تدخل على رأس المال لا حظ فيها على العامل، ولا يغرم فيها العامل، فقالوا: وفي هذه الحالة إذا حصلت القسمة قبل تصفية الحقوق ولم يجرِ على سنن المضاربة ففيه مخاطرة.
وهذا القول لا شك أنه أورع وأحوط وأليق وألزم للأصل؛ أنه لا يقتسم ولو رضي الطرفان؛ لكن إذا أرادا أن يقتسما فيفسخان عقد المضاربة الأولى ويصفيانها ثم ينشئان مضاربة جديدة، أما والمضاربة الأولى قائمة، ففيه تغرير ومخاطرة على الوجه الذي ذكرناه.