تعريف المضاربة

والمضاربة: مفاعلة، من الضرب في الأرض، وأصل المفاعلة في لغة العرب يستلزم وجود طرفين فأكثر، والمراد بهما في هذا النوع من العقود: المضارِب، وهو رب المال، والمضارَب، وهو العامل، ويسمى هذا النوع من عقود الشركات عند من يقول: إنه نوع شراكة يسمى: (بالمضاربة)، ويسمى (بالقراض).

فأما تسميته بالمضاربة: فللعلماء فيها وجهان: قال بعض العلماء: المضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض، ويقال: ضرب في الأرض إذا سافر من أجل التجارة، كما في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:20].

فالمراد من قوله: (يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ) بمعنى: يسافرون فيها من أجل التجارة، وقوله: (يَبْتَغُونَ) أي: يطلبون (مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي: من الرزق، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10] أي: اطلبوا الرزق.

وقال بعض العلماء: المضاربة مأخوذة من الضرب، بمعنى: أن كلاً من العامل ورب المال قد ضرب له بسهم من الربح، ولذلك يقال: اضرب لي بسهم، أي: اجعل لي قدراً في الربح، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الرُّقية والجُعْل فيها: (كلوا -وفي رواية-: خذوا، واضربوا لي معكم بسهم) فالضرب هنا المراد به: أن يقتطع جزءاً من المال لحسابه، والمراد من المال: الربح.

فالمضاربة: - إما أن تكون مأخوذة من الضرب بمعنى السفر، فيقال: ضرب في الأرض إذا سافر.

- وإما أن تكون مأخوذة من الضرب، بمعنى أن يضرب كل منهما للآخر جزءاً من الربح.

وقال بعض العلماء: إن المضاربة تسمى بـ (القِراض) وهي لغة أهل المشرق.

والقراض: قيل مأخوذ من القرض، كما يقال: قرض الفأر من الثوب إذا اقتطع من ذلك الثوب.

قالوا: كأن رب المال والعامل اقتطع كل منهما جزءاً من الربح.

وأياً ما كان فهذا النوع من العقود سواءً سمي بعقد المضاربة، أو عقد القراض فحقيقته واحدة، وهذا العقد كان موجوداً في الجاهلية، ثم جاء الإسلام فأقره؛ ولكن هذب أحكامه، وقد فصل العلماء رحمهم الله في هذه الأحكام، فأعطوا كل ذي حق حقه، فانتقل عقد القراض والمضاربة من المخاطرات إلى الإنصاف والعدل، ومعرفة كل من المتعاقدين لحقه، وهذا النوع من العقود كان موجوداً فأقر الإسلام التعامل به، وقد نص شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى أن بعض الفقهاء يقولون: إن القراض شُرع بالإجماع، وضعَّف هذا القول؛ فقال: إن الأصل في مشروعية القراض السنة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بُعث كان أهل الجاهلية يتعاملون بهذا النوع، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضارب بمال خديجة، وكانت لقريش رحلة في الشتاء للجنوب ورحلة في الصيف للشمال فكانت هذه الرحلات على هذا النوع من التجارة، وكان أهل مكة يجمعون ما عندهم من الأرزاق التي يرغب فيها أهل الشام إذا سافرت إليهم العير، ويأخذون ما عندهم من المصالح والأُدم ونحوها، فيبعثون بها في تجارة.

فهذا النوع من المعاملات كان موجوداً في الجاهلية، وأقر الإسلام التعامل به من حيث الجملة، وإن كان هناك خلاف بين المضاربة في الجاهلية والمضاربة في الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015