قوله: [ومُضارَبةٌ]: وكذلك المضاربة، مُفاعَلةٌ من الضرب في الأرض للتجارة، وسيأتي -إن شاء الله- الكلام على عقد المضاربة وحقيقته ومشروعيته وأحكامه ومسائله إن شاء الله تعالى.
لكن مراد المصنف بقوله: [ومُضارَبةٌ] أي: مثل الذي مضى من الحكم بالتحريم في حال إعطاء نسبة من الربح مجهولة ينطبق على عقد المضاربة كما ينطبق على عقد الشركة، فلو قال له: خذ مائة ألف واضرب بها في الأرض للتجارة، وما كان من ربح فسأرضيك منه، أو سأعطيك ما يسرك، فهذا مجهول؛ فإنه لا يدري ما الذي يسره، فقد يكون الذي يسر العامل ثلاثة أرباع الربح، والذي يسره عند رب المال ربع الربح، وقد يسره النصف بالكثير، فهذا يُدخل المفاسد والشرور؛ وقد ذكرنا هذا في مقدمة البيوع حينما بيَّنَّا أن بيوع الجهالة تفضي إلى النزاع والخصومة، كذلك أيضاً لو قال له: اضرب بمالي في الأرض، فاشترى عشرين سيارة -مثلاً-، وأراد أن يتاجر بها، فقال له: هذه العشرون، لي منها فقط ربح سيارتين، والباقي لك ربحه، فهذا لا يجوز؛ لأنه يحتمل ألَّا تربح إلا هاتان السيارتان، واحتمال ألَّا تربح السيارتان وتربح بقية السيارات، ولذلك يدخل على غرر، فلابد أن يشتركا في الغُنْم والغُرْم، وعلى هذا فلابد أن يحددا نسبةً مشاعةً معلومة، كما قلنا في الشركة.
ولو قال له: اضرب بمالي في الأرض، والربح بيني وبينك -يعني: مناصفةً- وأعطيك مع الربح إكرامية، أو هدية، أو أرضيك بزيادة، لم يجز.