حقيقة شركة العنان

قال رحمه الله: [وشركة عنان: أن يشترك بدنان بماليهما المعلوم]: [أن يشترك بدنان بماليهما المعلوم]: فعندنا قوله: [أن يشترك بدنان]: اشتراك البدنين المراد به: اشتراك الطرفين، ولذلك يقوم عقد شركة العنان على طرفين، وكل منهما شريك للآخر؛ لكن هذين الطرفين لابد من أن تتوافر فيهما أهلية الشركة، فكلا الطرفين لابد أن يكون كل منهما قد حصَّل أهلية الشراكة.

وإذا جئت تقول: ما هي أهلية الشركة؟ فينبغي أن تنظر إلى أصل عقد الشركة، فأصل عقد الشركة يفتقر إلى ملكية المال الذي يُشارَك به، فلا يصح أن يشاركك بمال ليس ملكاً له، كذلك أيضاً ينبغي أن يكون الذي يشاركك أهلاً للتوكيل، فلا يصح أن تشارك شخصاً لا تصح منه الوكالة؛ لأنه سيوكلك عن المائة ألف التي له، وأنت أيضاً لابد وأن تكون أهلاً للتوكيل.

إذاً: قالوا: يشترط فيها ما يشترط في التوكيل.

فلا يصح أن يشارك مجنوناً؛ لأن المجنون ليس بأهل للوكالة، ولا يصح أن يشارك يتيماً وصبياً صغيراً؛ فإنه ليس له حق التصرف في ماله، وليس له حق التوكيل في ذلك العقد؛ لكن لو أنك شاركت وكيل اليتيم ووكيل المجنون أو ولي المجنون أو ولي اليتيم صحت الشركة.

يعني: يجوز أن تشارك أصالةً ووكالةً على جهة الولاية، فلو كان الذي تشاركه ولياً لأيتام، فقال: أشاركك بمال اليتيم، عندي مائة ألف لأيتام، أو -مثلاً- إخواني أيتام ولهم مائة ألف أريد أن أشاركك في هذه المائة ألف التي هي للأيتام، فإنه في هذه الحالة يكون شريكاً لك، وفي الحقيقة أنت شريك للأيتام؛ لكن ليس لليتيم أن يتصرف في هذه الشركة إلا عن طريق الولي.

قوله: [أن يشترك بدنان]: يشترط فيهما ما يشترط من أهلية الشركة، ومن ذلك: ملكية المال، وكذلك أيضاً: أهليتهما للتوكيل؛ لأن كل واحد من الشريكين قد وكَّل صاحبه للنظر في ماله والتصرف فيه.

قال رحمه الله: [أن يشترك بدنان بماليهما المعلوم]: [بماليهما]: قد تكون (الباء) بمعنى: (في)؛ لأن (الباء) لها أكثر من عشرة معانٍ، في لغة العرب، وهي من أوسع الحروف معاني.

تَعَدٍّ لُصوْقاً واسْتَعِنْ بِتَسَبُّبٍ وبَدِّلْ صِحاباً قابَلُوكَ بالاسْتِعْلا وزِدْ بعضَهمْ يميناً تَحُزْ معانِيَها كُلًَّا فهنا يحتمل أن يكون قوله: [بماليهما] أي: في ماليهما، فتكون (الباء) للظرفية، تقول: محمد بالبيت، أي: في البيت.

فالمراد هنا: أن تكون الشركة في المالين.

وبناءً على ذلك: لما قال: [أن يشترك بدنان] أي: يجتمع بدنان في ماليهما: - خرجت شركة الأبدان، فإنهما يشتركان في عمل البدن.

- وخرجت الشركة بالمال من أحدهما والعمل من الآخر، وهي: شركة المضاربة.

- وخرجت الشركة بوجهيهما، وهي: شركة الوجوه.

فقوله رحمه الله: [بدنان بماليهما] أي: في ماليهما.

وهذا المال له شروط، سيذكر المصنف هذه الشروط، فيكون هذا المال من النقدين، وهل يجوز أن يكون من العروض؟ الصحيح: عدم جوازه، وسنبين علة ذلك.

واشترط شرطاً في قوله: [بماليهما المعلوم]: فخرجت الشركة بمالين مجهولين، فلا يصح أن نشارك بمال مجهول، كأن يقول له: ادفع مائة ألف، وأدفع أنا ما في خزنتي، فإن الذي في الخزنة لا ندري كم هو! هذا المجهول من الطرف الواحد.

والمجهول من الطرفين كأن يقول له: تشاركني بما في خزنتك، وأشاركك بما في خزنتي، على أنها شركة عنان، والذي في خزنة هذا لا يُعلَم، والذي في خزنة هذا لا يُعلَم! فحينئذ تكون بمالين مجهولين.

أو يقول: نشترك بمالين، ولا يحددان قدر المالين، ونحو ذلك من الصور المبنية على الجهالة.

يقول العلماء: إن الشريكين إذا اشتركا في مالين مجهولين حصلت الخصومة، وحصل البغي من بعضهم على بعض، ولربما ختل أحدهما الآخر، فظن شريكُه أنه سيدفع مالاً كثيراً، فإذا به يدفع المال القليل، ولذلك لا يجوز أن يشاركه على هذا الوجه المجهول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015