Q هل يجوز حرق المصاحف إذا تلف بعضها؟
صلى الله عليه وسلم حرق المصاحف يجوز إذا تلفت وخشي عليها الضرر، وهذا استنبطه طائفة من العلماء من فعل الصحابة رضوان الله عليهم، فإن عثمان رضي الله عنه لما نسخ المصحف الإمام أمر بإحراق بقية المصاحف.
فدل هذا على أنه إذا وجد ضرر على القرآن كأن يكون في موضع يمتهن فيه أو موضع يخشى أن يتطاير ورقه فيمتهن فيجوز حرقه.
أما أن يتوسع في هذا الأمر وكلما وجدنا مصاحف قديمة أخذناها وأحرقناها، فهذا والله من أعظم الإساءة ومن أعظم الإفساد، وربما في بعض الأحيان تجد المصحف منزوعاً منه ورقة واحدة فيأتي مباشرة ويأخذه من المسجد ثم يحرقه، وهذه المصاحف خاصة إذا كانت في المساجد أوقاف أهلها الذين أوقفوها ربما كانوا أمواتاً يفتقرون لكل حسنة.
فمن جاء إلى هذه المصاحف وأتلفها وأحرقها بدون حق فقد ظلم، وهم خصومه بين يدي الله عز وجل، فلا يجوز إخراج المصاحف من المساجد ولا إحراقها إذا كانت وقفاً ما لم تتعطل مصالحها بالكلية، ولا يمكن استبدالها.
في أحوال خاصة يحكم بجواز إحراقها، أما ما عدا ذلك فلا يجوز؛ لأن لكتاب الله حرمة، والله تعالى يقول: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:56] وكما قال مجاهد بن جبر رحمه الله: (إن قلع الشجر إتلاف للمنافع والمصالح) وأعظم المصالح مصالح الدين، فإحراق كتب العلم وإحراق المصاحف من إتلاف تلك المصالح والمنافع.
ويدخل في ذلك كتب العلم أيضاً، فإن بعض الطلاب إذا قرءوا وكتبوا المذكرات وانتهى الاختبار أحرقوا هذه المذكرات وأتلفوها، ولربما يأتي إلى الكراس وفيه الورقة والورقتان، أو قل عشر أوراق مكتوب فيها، وثلاثون أو أربعون ورقة ليس مكتوباً فيها ويحرق الجميع، هذا كله من الإفساد ولا يجوز ذلك، ولقد أدركنا بعض علمائنا ومشايخنا -رحمة الله عليهم- يستشيط غضباً شديداً لما يرى هذا ويغضب، والورقة إذا كان بعضها تالفاً وبعضها صالحاً فإنه ينزع التالف ويستفاد من الصالح لأي غرض يحتاجه لكتابة فائدة أو يكتب عليه أو يجرب عليه القلم، المهم لا يرمى وهو صالح بل يكتب عليه.
ومن أعظم ما يكون أن يكون فيه علم نافع، فإن الله تعالى يأجر من كتب العلم ومن سمعه، ومن شهد مجالسه، كلهم لهم أجر وثواب من الله عز وجل.
فهذا المكتوب إذا كتبته يداك فإن الله عز وجل يكتب لك أجر الكتابة، فإن خلصت نيتك؛ بارك الله لك فيما كتبت، وربما بقي دهراً طويلاً ينسخ منه غيرك ولك في ذلك أجر، ولربما تأتي إلى درس علم وتنسخه وتفرغه فتنتشر منه مذكرات أو تطبع كتب فيعود عليك أجر ذلك كله.
هذا خير وفضل عظيم، وما الذي رفع الله به قدر السلف إلا الصبر على هذا العلم وكتابته والحرص على الانتفاع به، فلا ينبغي لطالب العلم أن يحرق مثل هذه الكتب والأشياء المفيدة.
كان السلف والأئمة والأولون إذا وجدوا الفائدة ولم يجدوا ما يكتبون عليه؛ نقشوها على الجدران، وربما نقشت على الحجارة، كل ذلك خشية أن يذهب العلم.
والله تعالى أنْعم علينا بهذه النعم والخيرات العظيمة، وكان الرجل لا يستطيع أن يكتب حرفاً واحداً، ما لم يجد الريشة التي تكتب وتكون صالحة، ولربما يعي في إصلاحها، أو يجد ما يصلح الكتابة، أو يجد ريشة إذا كتب بها تكون خفيفة الوضع حتى لا تشغل مكاناً كبيراً.
فالله أعطانا من الأقلام أدقها وأبراها وأجملها وأحسنها، بل لم يقف الحد عند هذا حتى إنها تساق لك من مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد ولك الشكر، وتضعها في جيبك، وما كنت تستطيع أن تضع ما كتبته بل لا بد تنقل معك محبرتك ودواتك، وتنقل معك آلات الكتابة كما تنقل الكتاب، ويجدون في ذلك من الجهد والعناء ما الله به عليم، والله تعالى جعله في جيبك طوع بنانك، وتكتب به ما تشاء، ولربما كلت يد الكاتب.
فالإنسان يحمد نعمة الله عز وجل والله تعالى يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28] فكل نعمة ينعمها الله عليك؛ ينبغي عليك أن تتأمل وأن تتدبر هذه الكتب وهذه المصاحف، نعمة عظيمة، ولو كانت صفحة من كتاب الله، فاحمد الله عز وجل أن الله أعطاك هذه الصفحة.
وكم من أناس كانوا يتمنون أن يروا هذا الصفحات، فلنحمد الله على نعمه ونشكره على فضله وكرمه، ولنحسن في هذه النعم، ونحاول قدر الاستطاعة المحافظة عليها وإحسان النظر فيها حتى يبارك الله فيها.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم بمنه وكرمه ذلك الرجل.
والله تعالى أعلم.