الصورة الأولى: مثال هذه المسألة: رجل باع سيارة لرجل ثم أفلس، فإذا كانت السيارة بعينها ولم يتصرف بها، أي: لم يتغير فيها شيء بالزيادة أو بالنقص ولم يدفع شيئاً من ثمنها، كما هي الشروط المعتبرة في هذا المال فإن من حق صاحب السيارة أن يقول: هذه السيارة سيارتي، ويثبت ذلك، ثم يأخذ السيارة بعينها لقاء دينه، فيسقط كامل دينه الذي له من قيمة هذه السيارة.
فلو أن هذه السيارة اشتراها المفلس بعشرين ألفاً فإننا نقول: خذ السيارة، والعشرين ألفاً قد انتهت؛ لأن ذلك إلغاء للبيع الذي وقع بين المفلس والغريم.
وعلى هذا يشترط أولاً: أن يجد عين المتاع، فلا يجد -مثلاً- مثله، فلو وجد مثله فليس من حقه أن يطالب به.
وثانياً: ألا يكون قد أخذ شيئاً من قيمته، فلو دفع المفلس بعض القيمة فإنه لا يستحق أن يطالب بعين المتاع، والدليل على ذلك ظاهر الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به) ولم يقل: وليرد ما أخذ.
فدل على أنه قد عاوضه وساومه على ذلك البيع دون أن يدفع له مقدماً أو شيئاً من ثمنه، فإن دفع شيئاً من ثمنه فجماهير العلماء على أنه لا يستحق الرد.
وأما بالنسبة لهذا المتاع كالسيارة أو الأرض أو العمارة إذا وجدت بعينها، فإما أن تكون قيمتها مساوية لقيمة بيعها، مثال ذلك: لو أن رجلاً اشترى سيارة بمائة ألف ثم أفلس بعد شهرين من البيع، أو اشتراها بمائتي ألف وأفلس بعد سنة والسيارة قيمتها مائة ألف لم تختلف؛ فحينئذٍ لا إشكال وسيطالب بسيارته؛ ولو لم يطالب بالسيارة فسيدخل ضمن الدين ويكون له بعض قيمتها وليس الكل، أي: سيدخل مع الغرماء مشاركاً لهم، والأفضل له أن يأخذ السيارة ويبيعها بدل أن يتركها حتى تكون أسوة للغرماء.
فالحالة الأولى: أن تكون القيمة لم تختلف، فالحكم أنه إذا رضي صاحب المتاع وطلب صاحب المتاع أن ترد له ردت.
الحالة الثانية: أن تكون القيمة أكثر، فلو أن هذه السيارة باعها الرجل أو الغريم بمائة ألف، ثم اشتراها المفلس ديناً إلى نهاية السنة وقبل نهاية السنة حجر عليه، فلما تمت سنة لهذه السيارة أصبحت قيمتها مائة وخمسين ألفاً، أي أنها زادت بمقدار الثلث، فمن حقه أن يطالب بعين السيارة ولو أصبحت بأغلى مما بيعت به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به) ولم يفصل بين كونه أغلى أو أرخص أو مساوياً، فأخذ جمهور العلماء من هذا دليلاً على أنه يستحق رد السيارة غالية أو رخيصة وكأنه إلغاء للبيع الأول.
الحالة الثالثة: أن تكون قيمة السيارة أنقص، كأن يبيعه إياها بمائة ألف وتصبح قيمتها ثمانين ألفاً أو تسعين ألفاً أو سبعين ألفاً، فنقول له: أنت بالخيار بين أن تدخل أسوة للغرماء في أمواله على قدر دينك، وبين أن تأخذ السيارة لقاء دينك الذي هو قيمة السيارة، ولا شيء لك من قيمة السيارة، وهذا على ظاهر السنة في الصحيحين من حديث أبي هريرة المتقدم.