أثر الحجر في مال المحجور

قال رحمه الله: [ويبيع الحاكم ماله] شرع المصنف -رحمه الله- في الأثر الثاني، فعندنا أثر يتعلق بالمحجور عليه، وعندنا أثر بالشيء الذي حجر عن التصرف فيه وهو المال، فقال المصنف رحمه الله: (ويبيع الحاكم ماله).

من حجر عليه لحقوق أشخاص -وهو حجر الفلس- واستوفى الشروط؛ فإنه يباع ماله بطلب الغرماء، فينظر أولاً في السلع المعروفة بأعيانها، فمن وجد سلعة بعينها فلا تباع، وبالنسبة للغرماء الذين يطالبون بالحجر ولهم على المفلس الدين؛ فلا يخلو مال المفلس من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون المفلس قد تصرف في أموالهم التي أخذها منهم، ولم يبق منها شيء، كأن يكون -مثلاً- استبدل بها ولم تبق أعيانها، بل بقي أشياء مثلها، كرجل استدان مائة سيارة، وباع السيارات واشترى غيرها وباع، فأصبح يتاجر في السيارات، فوجدت عنده سيارات، لكنها ليست عين السيارات التي أخذها، فإذا كان المفلس لم يبق عنده عين المال الذي استدانه فيباع ولا إشكال.

وإذا بيع يكون الترتيب كالآتي: أولاً: ينظر القاضي إلى قدر حاجته ونفقته ونفقة عياله ومن تلزمه مئونته كزوجته وأولاده، فالذي يختص بنفقته ونفقة عياله وزوجه وأولاده هذا يخرج من البيع.

ثانياً: ينظر إلى المتاع الذي لا بد له ولأولاده ومن يلزمه القيام عليه، ففراش بيته الذي لا بد منه وحوائجه الأصلية هذه لا تباع ولا تعرض للبيع، لكن الكمالات والأمور الزائدة هذه تباع؛ لكن يبقى سؤال يقتضي التفصيل: إذا كان الرجل المديون عنده بيت أو (فلة) ومؤثثة بأثاث غالٍ جداً، لكن وضعه الذي كان فيه كصاحب شركة أو كذا يقتضي هذا الأثاث، ومثله يكون في هذا الأثاث، فهل ينظر لوضعه من حيث هو فلا يمس أثاث بيته الفاره الغالي، أم ينظر إلى حق المديونين، وأنه نزل من رتبة الأغنياء إلى رتبة الفقراء؟ الثاني الأصح، فهو قد نزل إلى رتبة الفقراء ويعامل بحقوق الناس؛ لأنه لا يعقل أن نجعله يعيش عيشة الأغنياء وقد تشبع بما لم يعط؛ لأنه في هذه الحالة ليس بغني.

مثلاً: لو كان عنده سيارة قيمتها مائة ألف، ومثله في وضعه وحالته الاجتماعية يستحق هذه السيارة، إن قيل: يعامل معاملة من هو في وضعه لا تباع وتترك له، واختاره بعض أصحاب الشافعي رحمه الله، وإن قيل: يعامل معاملة المديون، ينظر إلى سيارة تكفي للحاجة قيمتها عشرة آلاف ريال -مثلاً- فهذا قدر حاجته، والتسعون ألفاً تدفع لسداد حقوق الناس، وهذا هو الأصح.

فإذاً: إذا كان متاعه غالياً صرف من متاعه الغالي، وأبقي على قدر الحاجة والكفاية، كذلك أيضاً يترك على قدر الحاجة في طعامه وقدر الحاجة في فراشه وقدر الحاجة في ركوبه ونحو ذلك.

هذا من ناحية ما الذي يباع.

إذاً: إذا باع الحاكم أو القاضي وكان ماله لم يوجد فيه عين مال الغرماء؛ فإنه يبيع الزائد عن الحاجة ويترك ما تدعو إليه الحاجة، فلا يبيع ثيابه التي تستره وإنما تترك عليه، لكن لو عنده فضل ثياب بيع، ولا يبيع فراشه الذي ينام عليه، ولكن إذا كان عنده فضل فراش بيع.

ومثلاً: هو يسكن في شقة من عشر غرف، ومثله في ضعف الحال من الفقر يكفيه ثلاث غرف، فإنه يرد إلى شقة بثلاث غرف، ويباع أثاث الغرف الزائد، وقس على هذا، فالضابط عندهم: أنه ينظر إلى قدر حاجته، ويباع ما استفضل أو زاد عن هذه الحاجة.

الحالة الثانية: إذا كان أصحاب الدين وجدوا عين متاعهم، كأن يكون باعه سيارة؛ فوجد عين السيارة، أو باعه أرضاً وعين الأرض موجودة، فالأراضي والعقارات والمنقولات الموجودة بأعيانها ترد إلى أصحابها، لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: (من وجد متاعه بعينه عند رجل أفلس؛ فهو أحق به) فدل على أنه يستحق أخذ المتاع بعينه ولا يباع المتاع في سداد الدين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015