الحجر له سببان: السبب الأول: أن تحجر على الإنسان لمصلحة نفسه.
والسبب الثاني: أن تحجر عليه لمصلحة غيره.
فالحجر على الإنسان لمصلحة نفسه: يشمل اليتيم والمجنون والسفيه، فإن كلاً من اليتيم والمجنون والسفيه إذا منعته من التصرف في ماله فصار لا يبيع ولا يشتري إلا عن طريق وليه الذي ينظر فيه، فإنما قصدت حفظ ماله عليه، فالمصلحة عائدة إليه.
وهناك نوع ثانٍ من المحجور عليهم: وهم الذين يحجر عليهم لمصلحة غيرهم، وهذا يشمل أنواعاً منهم: المفلس: وهو الشخص الذي تكون ديونه أكثر من رأس ماله، كرجل عليه دين مليونان، ورأس ماله في تجارته نصف مليون أو مليون أو مليون ونصف، فمثل هذا إذا طلب غرماؤه أن يحُجر عليه -وكان الدين حالاً- حجر عليه، فيحجر عليه في التصرف في ماله، ويبيعه الحاكم في دينه، فمثل هذا المفلس حجرنا عليه ومنعناه من التصرف في ماله لمصلحة الغرماء أصحاب الديون وهم أصحاب الحقوق.
النوع الثاني ممن يحجر عليه لمصلحة غيره: مثل المريض مرض الموت، فإن الإنسان إذا مرض مرض الموت أحل الله له أن يتبرع في حدود الثلث من ماله، والزائد عن الثلث يستأذن فيه الورثة، فلا يحق له أن يتصرف في الثلثين الباقيين بالصدقة والهبة والعطية إلا بإذن ورثته؛ لأن سعداً -رضي الله عنه وأرضاه- قال: (يا رسول الله! إني كما ترى -يعني: أرى أن المرض قد اشتد بي- وليس لي وارث إلا ابنة -يعني: بنتاً- أفأوصي بمالي كله؟ قال: لا.
قال: أفأوصي بنصفه؟ قال: لا.
قال: أفبثلثه؟ قال: الثلث والثلث كثير)، فأحل له أن يتصدق ويوصي بثلث المال، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم) أي: إن المسلم عند حضور الأجل وفي مرض الموت يتصرف في ماله في حدوث الثلث.
والسبب في هذا: أن الرجل لو حضرته المنية وأطلق له التصرف في المال لربما انتقم من ورثته، وربما تصدق بجميع ماله؛ فترك الورثة فقراء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس).
لأنك إذا تركت المال لهم وقصدت بذلك حفظهم عن الحرام، وقصدت بذلك القيام بحقوقهم عليك؛ فإن الله يأجرك على ذلك، وتكون صدقة منك على ولدك، وإعطاء الصدقة للقريب أفضل من إعطائها للغريب.
وعلى هذا: يحجر على المريض مرض الموت أن يتصرف في ماله، وإنما يسمح له في حدود الثلث، والحجر يكون في الثلثين الزائدين، قال الناظم: وزوجة في غير ثلث تعترض كذا مريض مات في ذاك المرض وهذا على مذهب المالكية من أن الزوجة تعترض في الزائد من تصرفه عن الثلث.
وأما بالنسبة للنوع الثالث ممن يحجر عليه لمصلحة الغير: العبد المملوك، فإنه بحكم الرق المضروب عليه بناءً على الكفر حُجر عليه التصرف في ماله وأصبح المال ملكاً لسيده؛ لأن حديث ابن عمر الذي تقدمت الإشارة إليه غير مرة أخلى يده عن الملكية.
فهذا يُحجر عليه لمصلحة سيده، والخلاصة: أنه إما أن يحجر على الشخص لمصلحة نفسه أو يحجر عليه لمصلحة غيره.
ولا شك أن منع السفهاء من التصرف في مالهم له عواقب حميدة على المجتمع، فإن الأموال إذا حفظت عن الإهدار والإسراف؛ فإن ذلك يعود بالخير على الناس أفراداً وجماعات.