التخريج الفقهي لبطاقة الائتمان لو قام البنك بتغطية الالتزامات من غير رصيد الحامل

الصورة الثانية من الحالة الأولى: وهي أن يقوم البنك بالوفاء بالالتزامات من عنده ثم يقسط الحقوق على العميل دفعات على ما يراه أو يتفق مع العميل عليه، ففي هذه الحالة: لا يسحب من الرصيد، ويكون رصيد العميل أشبه بالرهن والغطاء، فلو فرضنا أن العميل له عشرة آلاف ريال أو عشرين ألف ريالٍ والبطاقة يسحب بها في حدود خمسة آلاف ريال، فالخمسة آلاف الموجودة في الرصيد هي في الحقيقة غطاء لعمليات البطاقة التي هي في حدود خمسة آلاف ريال.

فيمكن لنا أن نقيّم الصورة الثانية وهي التي لا يتدخل فيها البنك في الرصيد إلا بأمر وإيعاز من العميل، ويكون الرصيد فيها عبارة عن غطاء، وهذا ما سبق وأن سميناه بالرهن؛ لأن الرهن يكون للاستيثاق من أجل أن يوفي منه صاحب الحق إذا لم يسدد وقد سبق شرطه وبيان ضوابطه، وفي هذه الحالة البنك يقوم بالتالي: إذا اشترى العميل بمبلغ ثلاثة آلاف ريال، فالبنك له طرف من التعاقد مع التاجر كما بيناه سابقاً، فهو يدخل لحساب التاجر مبلغ ثلاثة آلاف ريال، دون رسم الخدمة التي طالبه بها البنك، في هذه الحالة: إذا قام البنك بالسداد عن العميل وتوجه للعميل لأخذ ما يستحقه عليه من دفعات، كان طبيعة التعاقد أن البنك التزم بالدفع عن العميل وجعل رصيد العميل غطاءً لوفاء العميل، فلو تأخر العميل أو امتنع من السداد فالأمر يسير حيث يسحب من رصيده، والبنك في مأمن من الإخلالات بهذه الالتزامات التي سبق ذكرها.

الآن عرفنا طبيعة العقد، فيبقى السؤال من الناحية الفقهية، لو أن اعتبرنا الرصيد رهناً وغطاءً للعمليات التي يقوم بها العميل بالبطاقة، فالسؤال الأول: ما هو نوع هذا الرهن؟

و صلى الله عليه وسلم أن الرهن من النقود: أعني الذهب أو الفضة، فهل يجوز أن تُرهن النقود أم أن الرهن يكون في المثمونات دون الأثمان؟ جمهور العلماء يجيزون رهن النقود، ونص على ذلك فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية، وهو مفهوم عبارات الحنابلة: كل ما جاز بيعه جاز رهنه، وبناءً على ذلك: مذهب الجمهور على جواز رهن النقود، والدليل على ذلك: أننا لو رهنا العقار كالبيت إنما قصدنا ضمان حق صاحب الدين، وسنبيع البيت عند عجز المدين عن السداد ثم نسدد، قال العلماء: فلأن يجوز رهن النقد المباشر من باب أولى وأحرى؛ لأنه إذا جاز رهن البيت والعمارة والدابة والأرض لكي تباع عند عدم الوفاء، فمن باب أولى أن يرهن النقد نفسه، وهذا واضح.

إذا ثبت هذا فإن النقود تعتبر رهناً لعملية البطاقة، لكن الإشكال ليس هنا، إنما الإشكال في المسألة الثانية: وهي هب أن الرصيد اعتبر رهنا، فقد تقدم معنا في باب الرهن: أن الرهن الشرعي لا يجوز لصاحب الدين أن يغيره، أو يبدله، أو يتصرف فيه، وهنا عند النظر في المبلغ المدفوع نجد أن البنك قد ضمن مثل الرهن لا عين الرهن.

توضيح ذلك: أجمع العلماء من حيث الأصل على أنك لو استدنت من رجل عشرة آلاف ريال، وقال لك الرجل: أعطني رهناً، فأعطيته سيارة عندك، تقدم معنا أن هذه السيارة إذا وضعت عند صاحب الدين فلا يحق له أن يتصرف فيها ولا أن ينتفع بها، وذكرنا الأحكام المتعلقة بالمحافظة على الرهن، كل ذلك لأجل الخوف من (كل قرض جر نفعاً فهو ربا).

إذا ثبت هذا وقلنا: إن الرهن لا يتصرف فيه، فطبيعة الرهن الشرعي أنك تأخذ العين وتردها بعينها، فإذا أعطاك سيارة لا يجوز أن تبدل السيارة بمثلها، ثم تقول له إذا سدد: خذ هذه سيارة مثل سيارتك، بل الواجب أن تضمن له عين سيارته، وهذا ذكرنا فيه الأصول والضوابط وقررنا: أن الرهن يضمن بعينه، فإذا ثبت أن الرهن يضمن بعينه، ف

Q الخمسة آلاف التي في رصيد زيد أو عمرو -وهو حامل البطاقة- إذا وضعت في الرصيد: هل الذي يضمن عين النقد الذي دُفِع أم يضمن مثله في القدر؟ الجواب: أنه يضمن مثله في القدر، فليست عين الخمسة آلاف المدفوعة؛ لأن الرهن يتعين وينبغي حفظه بعينه كما ذكرنا، وهنا لا يقصد بعينه إنما يحفظ بقدره ومثله.

بناء على ذلك في الصورة الثانية من الحالة الأولى: إذا كان له رصيد، ولا يسحب البنك من الرصيد يعتبر رصيده بمثابة الرهن والغطاء لعمليات البطاقة وإذا كان بمثابة الرهن ففيه مسألتان: المسألة الأولى: أن الرهن بالنقود جائزٌ في أصح قولي العلماء وهو قول الجماهير.

والمسألة الثانية: أنه يُشكل على هذا أن رهن النقود -الرصيد- لا يضمن ولا يحفظ بعينه، وإنما يضمن بمثله، فخرج عن ثمن الرهن في الشرع، لكن عندنا في هذه الحالة أيضاً إشكال، وهذا الإشكال يقوم على قاعدة: كل قرض جر منفعة فهو ربا، وتوضيحه: أننا سبق وأن ذكرنا في باب القرض أن العلماء مُجمعون على أنه إذا دفع رجل لآخر قرضاً فلا يجوز له أن ينتفع منه منفعة؛ لأن ذلك ذريعة إلى الربا، وقد بينا ذلك وذكرنا ما ورد عن السلف رحمهم الله من تحريم المنافع لقاء القروض، إذا ثبت أن صاحب القرض لا يجوز له أن ينتفع لقاء قرضه، فلو فرضنا أن صاحب البطاقة له رصيد -كما في الصورة التي معنا- وقام البنك بالسداد عنه، فإن صاحب البطاقة يعتبر في هذه الحالة قرض ما بين البنك وما بين العميل، فكأن البنك أقرض العميل قيمة الاستحقاقات التي في بطاقته، والتي فرضنا أنها خمسة آلاف، لكن البنك لم يقبل على دفع خمسة آلاف بدلاً عن رصيد العميل إلا لوجود المنفعة التي سيجنيها من الطرفين: من العميل -وهذا ما سنبينه في الرسوم المؤجلة- ومن التاجر.

والسؤال: أين المنفعة التي يستفيدها البنك من التاجر؟ سبق وأن ذكرنا في عقد البطاقة: أن المصدر الذي يصدر البطاقة يلزم العميل ألا يتعامل إلا مع محلات معينة، وتجد شعارات البطاقة التي يريد أن يتعامل بها موجودة، إما في الخدمات وإما في أماكن السلع.

إذا ثبت هذا فكأن البنك يقول له: أدينك بشرط أن تشتري من فلان وفلان -المحل الذي سيشتري منه- والبنك مستفيد؛ لأن بينه وبين هذا التاجر أو المستفيد عقداً، مفاده أن كل عملية يقوم العميل بفعلها كأن يشتري بثلاثة آلاف أو أربعة آلاف فإنه يجب على التاجر أن يدفع للبنك رسم الخدمة، ورسم الخدمة لو فرضناه مثلاً (5%) فمعنى ذلك: أن العملية إذا تمت بخمسة آلاف ريال، وعليها (5%) فمعنى ذلك أن البنك سيستفيد ما مقداره مائتين وخمسين ريالاً، وعلى هذا فتكون حقيقة الأمر: أن البنك ديّن صاحب البطاقة الأربعة آلاف وسبعمائة وخمسين واستفاد المائتين والخمسين التي سيجنيها من التاجر، وأطبقها على العميل خمسة آلاف؛ لأن المسجل عند البنك أنها خمسة آلاف، والذي يسجل في الفاتورة عند التاجر خمسة آلاف، فأصبحت للبنك منفعتان: منفعة من العميل وهذا ما سنذكره إن شاء الله من جهة الربا، ومنفعة من جهة التاجر والمستفيد.

فإذاً: الحال في هذه الصورة الثانية: أن يكون البنك بمثابة المقرض للعميل؛ لأنك إذا جئت تكيف المسألة من الناحية العقلية فكون البنك يلتزم بالدفع عن العميل معناه: أنه سيقرض العميل؛ لأن الخمسة آلاف مستحقة على العميل لا على البنك، وفي هذه الحالة تعجل البنك بدفع الخمسة آلاف، والواقع أنه دفع أربعة آلاف وسبعمائة وخمسين واستفاد منها مائتين وخمسين، فهو يستفيد من التاجر، وقد يقال: هذا راجع إلى النظرة التي ينظرها البنك بأنه إذا أعطى العميل البطاقة وعين له المحل الذي يشتري منه يصبح عندها للبنك حق على هذا المحل، ومن حقه أن يستفيد من هذا المحل، طبعاً هذه وجهة نظر، لكن من الناحية الشرعية تعتبر قرضاً جر نفعاً، هذا بالنسبة للتخريج الأول المتعلق ببطاقة الائتمان التي لها رصيد.

والخلاصة: إن كان العميل له رصيد في البنك فلا يخلو البنك في تأمينه للحقوق والالتزامات المترتبة على التعامل بالبطاقة من حالتين أو صورتين: إما أن يقوم بالسحب من مال العميل وحينئذٍ هو وكيل مستأجر، والوكالة بأجرة اختل فيها هنا: شرط العلم بالأجرة، والعلم بالمنفعة، فالأجرة مبنية على النسبة وهي معلومة من جهة القدر، لكنها مجهولة من جهة القيمة.

كذلك أيضاً شابتها الجهالة: أعني إجارة الوكالة، من جهة جهالة المنفعة التي سيقدمها البنك للعميل، حيث لا يدرى عدد العمليات ولا يدرى هل هي في الداخل أو الخارج وهل هي في المحلات القريبة أو البعيدة، وهذا حاصل ما يقال في مسألة إذا كان للعميل رصيد عند تحرير البطاقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015