قال رحمه الله: [وإذا صحت نقلت الحق إلى ذمة المحال عليه وبرئ المحيل].
(وإذا صحت): الضمير عائد إلى الحوالة.
فإذا صحت نقلت الدين والحق إلى ذمة المحال عليه.
فإذا كان لك عليّ عشرة آلاف وأحلتك وصحت حوالتي انتقل حقك عليّ إلى ذمة زيد الذي ليّ عليه عشرة آلاف.
وبناءً على ذلك يلاحظ أنها إلى البيع أقرب، ولذلك لو أحاله للاستيفاء لم يضر ولا نحكم باللزوم بمجرد الحكم كما ذكرنا في الرهن، وعلى هذا بمجرد وجود الشروط المعتبرة بصحة الحوالة لزمته، وليس من حقه أن يرجع لا المحيل ولا المحال.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع) وفي رواية لـ ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما: (فأَتْبِعْهُ) وهذا يدل على أنها إذا صحت حينئذٍ نحكم بانتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
وأنبه ما على مسألة مهمة ستأتي إن شاء الله، فنحن أخرنا مسائل من العقود المعاصرة التي إن شاء الله سنتكلم عليها بعد باب الحوالة؛ والمشكلة أنه تؤخذ أسماء العقود الشرعية وتوضع على الأشياء ويدعى أنها شرعية، ولذلك أحببنا أن لا نتعرض للمسائل المعاصرة إلا بعد انتهائنا من العقود الشرعية كي نتصورها ونفهمها، حتى إذا جئنا نقول: منهم من يقول: إنها حوالة نقول: أنتم تعرفون أن الحوالة ضابطها كذا وكذا فهل ينطبق الضابط هنا أو لا؟ بمعنى حينما يأتي رجل إلى المصرف ويعطيه عشرة آلاف ريال على أن يحيلها إلى بلد في الخارج بقيمة غير قيمة الريالات -إلى دولارات أو إلى جنيهات- فهذه لا تعتبر حوالة لعدم الاتفاق في الجنس، ثم ليس فيها دين مستقر أيضاً.
فما سبق يطلق عليه عامة الناس حوالة ولو جئت تقول: هذا لا يجوز؛ لأنه يشترط فيه التقابض فهو بيع وصرف، قال: لا هذا حوالة والحوالة جائزة شرعاً، فالعقود الشرعية لابد وأن تضبط بما ضبطها به أهل العلم مما استنبط من الكتاب والسنة.
إذاً المسألة السابقة ليست من باب الحوالة، وإنما تكون في هذه الحالة وكالة وصرفاً، صرف لأنه صرف العشرة آلاف ريال إلى دولارات أو جنيهات أو إلى أي عملة أخرى، ثم وكل أن يعطى فلان في ذلك البلد، فهي إلى الوكالة أشبه منها بالحوالة؛ لأنه ليس له على الطرف الثاني بالبلد الثاني دين، إذاً ليس هناك دينان فلا يمكن أن ينطبق عليها ضابط الحوالة، فالحوالة التي ذكرها العلماء سبق ذكرها وذكر ضوابطهما، فانظروا كيف يكون الاسم والمسمى في الظاهر شيء، ولكن في الحقيقة والجوهر واللب شيء آخر.
ومن هنا ننبه على مسألة مهمة -وإن شاء الله سننبه عليها أكثر- وهي قضية المسائل في المعاملات المعاصرة، لا تتحدث عن أي معاملة معاصرة تريد تخريجها على القديم إلا بعد ضبط القديم، فإذا قالوا: وديعة انظر ما هو ضابط الوديعة عند المتقدمين، وبعد أن تفهم ما هي الوديعة، وما هي حقيقتها عند المتقدمين، انظر في صورة المسألة المعاصر هل استوفت الأوصاف المعتبرة أم لا؟ إذا قال قائل: لو أردت أن أحيل عشرة آلاف من جدة إلى المدينة، فالدين واحد وهو عشرة آلاف بعشرة آلاف فحينئذٍ نقول: هذه المسألة ليست من باب الحوالة؛ لأنه ما مِن دين ثانٍ، يعني أنت الآن تتعامل مع شخص هو نفسه الذي سيفوض شخصاً آخر.
وبناءً على ذلك يقولون: إنها إلى الوكالة أشبه منها من الحوالة، وهناك وجه عند اتفاق المبلغ المحال جنيهات أو ريالات أن يعطى حكم الحوالة، وسنبين ذلك عند حديثنا عن أحكام الحوالات بعد الانتهاء من باب الحوالة إن شاء الله تعالى.
قال: [نقلت الحق إلى ذمة المحال عليه وبرئ المحيل] إذا أحلت شخصاً واستوفيت الشروط المعتبرة للحوالة، تكون عندها نقلت الحق وهو العشرة آلاف من ذمتك إلى ذمة من أحلت إليه، وبهذا تكون قد برئت ذمتك؛ لكن بالشروط التي ذكرناها في صحة الحوالة، وأن تكون الحوالة قد استوفي فيها شرط الإلزام، كأن تحيل على مليء، فلو أحلت على مفلس أو أحلت على غير مليء، فإنه لا تبرأ ذمتك ولا يلزم بالاتباع، لكن لو قبل برئت ذمتك.
فإذاً من حيث الأصل نقول: إذا استوفت الحوالة شروطها وكانت على مليء واحتال المحال فإنها تبرأ ذمة المحيل.