اتفاق الدينين جنساً ووصفاً ووقتاً وقدراً

قال رحمه الله: [ويشترط اتفاق الدينين جنساً ووصفاً ووقتاً وقدراً].

هذا الشرط الثاني من شروط صحة الحوالة: اتفاق الدينين جنساً ووصفاً وقدراً.

الجنس: أن يتفق الدينان -الدين الأول الذي تحيل به والدين الثاني الذي تحيل عليه- جنساً كذهب بذهب وفضة بفضة ودنانير بدنانير ودراهم بدراهم وريالات بريالات ودولارات بدولارات.

فلا يصح أن يحيل بذهب على فضة، ولا يصح أن يحيل بريالات على دولارات؛ لأن رصيد الريالات من الفضة ورصيد الدولارات من الذهب، ولا يصح أن يحيل الريالات بالجنيهات ولا العكس؛ لأن رصيد الريالات من الفضة ورصيد الجنيهات من الذهب.

فلو أن شخصاً له على آخر ثلاثة آلاف ريال، والمديون له على شخص ثانٍ مبلغ ألف دولار، فالثلاثة آلاف ريال تعادل الألف دولار، فأراد أن يحيل، نقول: لا يصح؛ لأنه في هذه الحالة تدخله شبهة الربا.

ولذلك قال العلماء: لا يصح أن يحيل إلا مع اتحاد الدينين جنساً، وهذا راجع إلى مسألة أن الحوالة فيها شبهة بيع الدين بالدين.

ولذلك العلماء اختلفوا في الحوالة على وجهين، وبعضهم يقسمه إلى ثلاثة أوجه: قال بعض العلماء: الحوالة من بيع الدين بالدين.

فأنت لك عليّ عشرة آلاف دين، وأنا أُحيلك على شخص آخر لي عليه عشرة آلاف، فأصبح من باب بيع الدين بالدين، وهذا الوجه يقول به طائفة من العلماء رحمهم الله.

وفائدة هذا الوجه: أنك إذا قلت: إن الحوالة من باب بيع الدين بالدين يثبت فيها خيار المجلس، وتسري عليها أحكام البيوع، ويعتبر عقد الحوالة بناءً على هذا القول مستثنىً من الأصل وخارجاً عن الأصل، وهذا في الحقيقة من أقوى الأقوال في المسألة وهو أنه من بيع الدين بالدين، فإن الذين قالوا: بأنها عقد إرفاق أو عقد استيفاء لم يستطيعوا أن يطبقوا أوصاف الاستيفاء في الأثر.

ولذلك إذا أحال على مليء فاحتال فإنه لا يستطيع أن يرجع إليه، فدل على أن الذمة قد انتقلت، وهذا لا يمكن أن يقع في مسألة الاستيفاء كما ذكرنا في الرهونات، وإنما يقع في مسألة البيع.

ولذلك القول: بأنها من بيع الدين بالدين من القوة بمكان،

و Q إذا كان الشرع قد حرم بيع الدين بالدين فكيف جازت الحوالة؟ قالوا: إن هذا مستثنى من الأصل.

ولذلك يجوز إخراج الخاص من العام، فالأصل العام يقتضي عدم جواز بيع الدين بالدين، ولكن جاز في الحوالة لورود إذن الشرع بها ولهذا نظائر؛ فإن الشرع يضع الشيء فتبقى قاعدة ثم يستثني فروعاً منها، وقد يأتي الحكم في الشرع على سبيل العموم ثم يخصص الشرع منه ما شاء.

وبناءً على ذلك تكون الحوالة فيها صورة البيع، وعلى هذا فإنهم يقولون: لابد وأن يكون الدينان متفقين جنساً كذهب بذهب وفضة بفضة، فلا يصح أن يحيل ذهباً على فضة ولا فضة على ذهب، كذلك أيضاً: لابد أن يتفق الدينان صفة؛ لأن الدين يكون معجلاً ويكون مؤجلاً؛ فإذا كان لك على شخص دين إلى نهاية محرم وأحالك على شخص عليه دين مؤجل إلى نهاية محرم صحت الحوالة، فلو قال لك: يا محمد! لي على زيد عشرة آلاف في نهاية محرم، فالعشرة آلاف التي لك عليّ في نهاية محرم أحيلك على الدين الذي لي على زيد؛ صح ذلك لاتفاق الدينين تأجيلاً.

وكذلك تعجيلاً فلو أنه أعطاك خمسة عشر ألفاً وحل الأجل في يوم خمسة عشر من ذي الحجة، فجاءك وقال لك: يا فلان! لي عليك خمسة عشر ألفاً أعطنيها، فتقول: أنا لي على زيد من الناس خمسة عشر ألفاً، وقد حلت مثلما حل دينك، اذهب وخذها من فلان فحينئذٍ يصح؛ لأن الدينين اتفقا صفة فالعاجل بالعاجل والآجل بالآجل، لكن لو كان أحدهما مُعجلاً والآخر مؤجلاً لم يصح، فلابد من اتفاقهما تعجيلاً وتأجيلاً.

الوصف: معلوم أن الدنانير من الذهب تختلف، فهناك الدنانير المصرية والدنانير الأميرية والدراهم البغلية فيقولون: جنساً كذهب بذهب وفضة بفضة، ووصفاً وعليه فدراهم مصرية بأميرية لا يصح؛ لأن هذه لها صفة غير صفة هذه، أو دنانير مكسرة بدنانير صحيحة، أو دراهم مكسرة بدراهم صحيحة لا يصح، لكن دراهم صحيحة، بدراهم صحيحة ودنانير صحيحة بدنانير صحيحة يصح.

ويدخل في الوصف التعجيل والتأجيل، وبعض العلماء يفرق التعجيل والتأجيل في الوقت كما صنع المصنف فقال: (جنساً ووصفاً ووقتاً).

الوقت: هو التعجيل والتأجيل، ولابد في المؤجل أن يتفقا قرباً وبعداً، فلا يصح أن يكون الدينان أحدهما أجله قريب والثاني أجله بعيد، بل لابد وأن يتفق الأجلان حتى تصح الحوالة.

قدراً: كعشرة آلاف بعشرة آلاف وخمسة عشر، بخمسة عشر، لكن يجوز أن يحيله بعشرة آلاف على شخص له عليه عشرون، فيقول له: أعطه منها عشرة يصح، ولا يؤثر وجود الفضل والزيادة، وتكون الحوالة في الحق الثابت بالدين الأول، فيقول له: لك عليّ عشرة آلاف ولي على زيد عشرون، اذهب وخذ منها عشرة سداداً لدينك ووفاءً لحقك.

قال: [ولا يؤثر الفاضل].

كما ذكرنا كأن يحيله بعشرة آلاف على من له عليه عشرون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015