قال رحمه الله: [فإن برئت ذمة المضمون عنه برئت ذمت الضامن لا عكسه] (فإن برئت ذمة المضمون عنه) هنا مسألة: الكفالة مبنية على السداد، وحينئذٍ نقول: عندنا أصل وعندنا فرع، فالعلماء رحمهم الله يجعلون المديون -الذي تحمل الدين- أصلاً، وجعلوا الكفيل والضمين -الذي تحمّل أن يسدد- فرعاً مبنياً على الأصل، وبناءً على ذلك قالوا: إذا برئت ذمة المديون الذي هو الأصيل، برئت ذمة الكفيل، وإذا برئت ذمة الكفيل لم يستلزم ذلك براءة ذمة الأصيل.
توضيح ذلك: البراءة هنا لها حالتان: الأولى: أن تكون بسبب السداد، فمثلاً لو أن شخصاً استدان عشرة آلاف ريال، فقلت: أنا أكفل هذا في العشرة آلاف التي عليه إلى نهاية السنة، قبل نهاية السنة قام المديون بالسداد، فمعناه أن ذمته قد برئت، فإن برئت حكم الشرع ببراءة ذمتك أنت، لأن ذمتك مضمومة إلى ذمته، فإن كان الدين باقياً وذمته مشغولة به، فأنت ملزمٌ به، وإن برئت ذمته بسداد الدين سقط الالتزام منك، بمعنى أنك لست بملزم، وحينئذٍ تبرأ ذمتك ببراءة ذمة الأصيل.
الحالة الثانية، أن تكون بسبب العفو، فمثلاً: لو أن صاحب الدين قال للمديون: عفوت عنك، والمال الذي لي عليك قد أبرأتك منه.
فإنه عندما عفا عنه برئت ذمة المديون، فإذا برئت ذمة المديون برئت ذمة الكفيل؛ لأن الفرع مبنيٌ على أصله، وإذا برئت ذمة الأصل برئت ذمة الفرع، وعلى هذا نقول: ليس من حق صاحب الدين بعد ذلك أن يقول: أنا سامحت صاحب الدين وأطالب الكفيل؛ لأن الكفيل لا يُطالب إلا بعد ثبوت الدين واستقراره على الأصيل، فإن برئت ذمة الأصيل برئت ذمة الكفيل لا العكس.
قوله: (لا عكسه).
مثال ذلك: لو أن رجلاً جاء يستدين منك مالاً، أو يشتري منك أرضاً، فقلت له: أعطني كفيلاً فأحرجك، وجاءك بابن عمك، أو جاءك بقريبٍ لك، واضطررت أن تديّنه على أن قريبك هو الكفيل، وأنت لا تريد الإحراج مع قريبك، فلما تم الدين، قلت لقريبك: أنت في حل من كفالتك، إذا قلت هذا الكلام، فإن هذا لا يستلزم أن المديون تسقط وتبرأ ذمته، وبناءً على ذلك فلك أن تبقي الحق والمطالبة على المديون، ومن هنا قال: إذا برئت ذمة الأصيل برئت ذمة الكفيل لا العكس.
أي: إذا برئت ذمة الكفيل لا تبرأ ذمة الأصيل.
الخلاصة: أنه إذا برئت ذمة الفرع لا يستلزم هذا براءة ذمة الأصل، وإذا برئت ذمة الأصل استلزم ذلك براءة ذمة الفرع.