وإذا كنا نقول: إنه يجوز له أن ينتفع بالرهن بعوض بعوض مثله في حالة القرض، فمثال ذلك: رجل أعطاك مائة ألف ديناً فأعطيته عمارة، فطلب منك أن يأخذ منفعتها في الموسم، وأجرة هذه العمارة إذا أجِّرت في الموسم على من يريد استغلالها مثلاً خمسون ألفاً، فإذا أعطاك خمسين ألفاً فإنه يجوز؛ لأنه أخذ الرهن لقاء إجارة، وقد ذكرنا في أول باب الرهن أن يد المرتَهِن تكون يد أمانة، فهو الآن أراد أن يستأجر الرهن، فهل تنتقل يده من يد الأمانة إلى يد الضمان؟
صلى الله عليه وسلم نعم؛ لأنه بالإجارة حينئذٍ يصبح ضامناً، فتخرج يده من يد أمانة إلى يد ضمان، فلو تلف شيءٌ في العمارة فإنه يضمنه.
هذا بالنسبة إذا قلنا: إنه تنتقل بالإجارة، ويجوز أن يستأجره، وهناك عقدان: العقد الأول: الرهن، والعقد الثاني: عقد الإجارة، سواءً استغرق عقد الإجارة مدة الدين، كأن يكون مدة الدين سنة، وعقد الإجارة سنة، فلا إشكال، أما دون السنة كشهرين، أو مدة الموسم، أو ثلاثة أشهر، ففي هذه الحالة، عندما أخذها إجارةً انتقلت اليد وزالت يد الرهن، وأصبحت عيناً مؤجرة، وإذا انتهت المدة فهل تعود رهناً؟ الجواب: لا، إذا انتهت المدة فإن صاحب العمارة بالخيار، فإن شاء ردها رهناً، وإن شاء رهن غيرها، وفائدة ذلك: أنه ربما ترهن العمارة وقيمتها مثلاً خمسمائة ألف، وخلال الشهرين تصبح قيمتها مثلاً مليوناً، ويكون من الضرر أن تجعلها رهناً، وقد ترهنها وأنت لا تحتاج إلى أن تستغلّها، ثم لما صار الشهر والشهران بانتفاعها بالإجارة طرأ استغلال لك عليها أو حاجة لك عليها، فحينئذٍ بعد انتهاء المدة أنت بالخيار، فإن شئت أن تعيد العمارة أعدتها، وإن شئت أن تدخل عيناً رهناً بدلاً عنها كان لك ذلك، فكأن صاحب الدين هو الذي ضيّع حقه بزوال اليد، وحينئذٍ يزول لزوم الرهن؛ لأننا اشترطنا أن اللزوم يستديم فيه ببقاء اليد.
فإذا كانت اليد دخلت عليها الإجارة، وانتقل الرهن من كونه رهناً إلى إجارة؛ فحينئذٍ يزول لزوم الرهن، هذا هو معنى لزوم الرهن.
لزوم الرهن: لو أنك رهنت العمارة وقيمتها مثلاً مائة ألف، والدين لثلاث سنوات، وبعد شهر أو شهرين أصبحت قيمتها مليوناً، فتبقى لازمة عليك، أي: تبقى رهناً، ولو أصبحت بالملايين، لكن إذا أدخلت الإجارة عليها ورضي صاحب الدين، فحينئذٍ انفك اللزوم؛ لأنه قد سبق أن ذكرنا أن المذهب -وهذا مذهب طائفة من العلماء- على أن الرهن يلزم إذا قُبِض واستديم القبض، لكن عندما دخلت الإجارة رفعت استدامة اليد، وحينئذٍ ينتقل من كونه لازماً على المديون، إلا أنه بعد انتهاء مدة الإجارة فهو بالخيار، إن شاء أدخله رهناً مرة ثانية، وإن شاء امتنع عن إدخاله، وأدخل عيناً أخرى مكانه، على ما يتفقان عليه.
هذا بالنسبة إذا كانت العين لا تحتاج إلى مئونة كالعمائر والأرضين، فخلاصة ما فيها: أن الأصل العام أنه لا يجوز لصاحب الدين أن يأخذ منفعة من الرهن إلا بإذن صاحبه، فإذا اعتدى على ذلك ضَمِن، ويتفرع تفرّع على هذا لو أنه استأذنه بعوض وكان العوض لمثل العين جاز، سواءً كان في رهن القروض أو غيرها.
وإن استأذنه بعوض دونه، أو بدون عوض في عينٍ مرهونة لقاء دينٍ لم يجز؛ لأنه قرض جر نفعاً، وأما إذا كان في غير رهن القروض، فإنه يجوز؛ لزوال الشبهة الموجبة للتحريم، والقاعدة: أن الحكم يدور مع علّته وجوداً وعدماً، فقد منعنا انتفاعه بدون عوض أو بدون عوض المثل إذا كان في القرض؛ لخوف الربا، وذلك منتفٍ في رهن غير القروض، فيصبح جائزاً على الأصل.