قال رحمه الله: [ومس ذكر متصل] أي: من مس الذكر فإنه ينتقض وضوءه، سواءً قصد الشهوة ووجد اللذة، أو لم يقصد الشهوة ولم يجد اللذة، فمن مس الذكر وجب عليه أن يعيد الوضوء؛ لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مس ذكره فليتوضأ) وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من مس الذكر مطلقاً.
وقال بعض العلماء: من مس ذكره فلا ينتقض وضوءه؛ لحديث طلق بن علي رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني المسجد فسأله عن مس الذكر؟ فقال عليه الصلاة والسلام يجيب طلقاً: (وهل هو إلا بضعة منك) قالوا: إن هذا الحديث يدل على أن مس الذكر لا يوجب انتقاض الوضوء.
والصحيح أنه يوجب انتقاض الوضوء، ويجاب عن حديث طلق بن علي من وجهين: الوجه الأول: أنه منسوخ؛ لأن طلق بن علي قدم عند بناء المسجد كما جاء في الرواية، وحديث: (من مس ذكره فليتوضأ) رواه المتأخرون إسلاماً من الصحابة: كـ أبي هريرة رضي الله عنه، والقاعدة: أن تأخر إسلام الراوي مع تقدم المعارض يدل على النسخ أو يشعر بالنسخ.
الوجه الثاني: أن يجُمع بين حديث طلق بن علي وبين حديث: (من مس ذكره فليتوضأ) بأن سؤال طلق بن علي رضي الله عنه عن مس الذكر من فوق الثوب فقال له: (وهل هو إلا بضعة منك) أي: إذا مسسته بحائل كأنك لمست يداً أو نحو ذلك من الأعضاء.
وأما إذا لمسه مباشرة فإنه يحُمل عليه حديث: (من مس ذكره فليتوضأ).
وقد صحح غير واحد من أهل العلم حديث الأمر بالوضوء من مس الذكر منهم: الإمام أحمد، وأبو زرعة واستصوبه الإمام البخاري رحمه الله، فلذلك يقوى الحكم بأن مس الذكر يوجب انتقاض الوضوء.
إذا ثبت أن مس الذكر يوجب انتقاض الوضوء فيستوي في ذلك أمور: أولاً: أن يكون بشهوة أو بدون شهوة.
ثانياً: أن المراد بالمس باطن الكف، فلو أنه وقع على ظاهر الكف لم ينتقض الوضوء لقوله: (من مس) والمس: هو الإفضاء بباطن الكف.
واختلف العلماء فيما لو إذا مسه بين أصابعه، هل الذي بين الأصابع يأخذ حكم باطن الكف أو يأخذ حكم ظاهره؟ والأقوى أنه يأخذ حكم الباطن؛ للقاعدة: (أن ما قارب الشيء يأخذ حكمه).
ثالثاً: أن قوله: (من مس ذكره) أصل، ويُلحق به مس الدبر، فإذا مس حلقة الدبر انتقض وضوءه؛ وذلك لعموم قوله: (من مس فرجه) والفرج: يشمل القبل والدبر.
رابعاً: أن هذا الحكم يشمل الرجل والمرأة، فحُكِمَ به للرجال والنساء تبع، وكم من أحكام ترد في الرجال أصلاً والنساء فيها تبع، كما في قوله: (من مس فرجه) وهذا من صيغ العموم، فإن قوله: (مَنْ) من صيغ العموم عند الأصوليين، وقوله: (فرجه) يشمل الرجل والمرأة.
خامساً: أن هذا الحكم يستوي فيه أن يمس من نفسه أو يمس من غيره، ولذلك يعم الحكم بالنسبة للماس، سواءً كان لنفسه أو لغيره، بشرط أن يكون متصلاً بالغير.
سادساً: يشمل الصغير والكبير، فلو مست المرأة فرج صبيها أو صبيتها انتقض وضوءُها ولو تكرر ذلك؛ وذلك لعموم الخبر من جهة المعنى.
سابعاً: يخرج من هذا مس المنفصل، فقال بعض العلماء: لو قُطِعَ العضو فَمُسَّ لم يأخذ هذا الحكم.
ثامناً: أنه لو مس فرج الخنثى المشكل فإنه يأخذ حكم المرأة، فلو مس ذكره لم ينتقض وضوءُه؛ لأنه زائد، ولا دليل على إثبات كونه عضواً مؤثراً، فَيُبْقَى على الأصل وهو بقاء الطهارة.
وقال بعض العلماء بالانتقاض مطلقاً.
تاسعاً: قد علمنا حكم من مس، فهل الممسوس يأخذ حكم الماس؟ فقال بعض العلماء: إنه يأخذ حكم الماس من جهة المعنى، والذي اختاره بعض العلماء: أنه إذا وجد الممسوس الشهوة واللذة انتقض وضوءه وإلا فلا.