قال رحمه الله تعالى: [ويلزم البائع سقيه إن احتاج إلى ذلك وإن تضرر الأصل]: بعد أن بين لنا رحمه الله تعالى مسائل البيع، شرع في مسائل الحقوق التي تتبع البيع، ولذلك الكلام على الفرع، وبيان الفرع بعد بيان الأصل والكلام عليه، وهذا كما ذكرنا أكثر من مرة من دقة العلماء، إذ قد تصح البيوع ويأتي الناس يتقاضون في الحقوق، فتختلف الأحوال فتارة يبيعه النخل بيعاً صحيحاً، ويبيعه الحب بيعاً صحيحاً، ولكن يفرط البائع في حق المشتري، أو يمنع البائع حقاً من حقوق المشتري، فيرد
Q ماذا يكون من حق المشتري إذا اشترى الثمرة بعد كمال استوائها، أو بعد صلاحها؟
صلى الله عليه وسلم يجب على البائع أن يحافظ على الثمرة، ويحافظ على الأسباب التي تحافظ على الثمرة، وأهم تلك الأسباب مسألة السقي، كسقي النخل، فإن الثمرة تتأثر بالماء، فإذا اشترى منه نخلاً، وجب عليه أن يقوم على سقيه، وبناء على ذلك لو أن المزارع الذي اشتريت منه تعطلت آلة الماء عنده وجب عليه أن يصلحها، فإن لم يمكنه أن يسقي بآلته، وجب عليه أن يستسقي لك ماء يبقي لك الثمرة، إلى أن يتم حصادها، فإذا قصر فإنه يتحمل مسئولية التقصير، فإذا قلت: إنه يجب على البائع أن يسقي الثمرة بالمعروف، معناه أنه لو قصر كأ، يكون النخل يسقى، النخل يسقى إلى ثلاثة أيام، أو إلى يومين، إذا كان سقيه بالري الكامل وبأحواض كبيرة، فأصبح يسقي كل أربعة أيام، أو كل خمسة أيام، أو كل أسبوع مرة؛ لكونه فيه كلفة على الآلة، وهذه أمور، كانت تكلف الناس، ولا زالت تكلف الناس، فيخفف على نفسه؛ لأن الثمرة لم تعد ثمرةً له، وإنما صارت ثمرة لغيره، فحينئذ لا يتضرر، ولا يضره شيءٌ، فيقوم بالتساهل في سقيها، فقال المصنف رحمه الله تعالى: يجب على البائع السقي، أي: أنه مسئول عن سقي النخل، ويلزم بالماء الذي يستبقى به النخل إبقاءً للفرع المشترى، وهو الثمرة، فلو أنه تساهل في السقي، ولم يستتبع النخل في السقي، أو تساهل عماله، فحينئذ يلزمه الضمان، فلو أن الثمرة تضررت حتى ذهب العشر بسبب ضعف السقي، يُلزم بضمان عشر القيمة.
وهكذا لو أنه تساهل في السقي، وتلاعب في ذلك حتى ذهب نصف الثمرة، يلزم بضمان نصف الثمرة، فإذا ألزمناه بالسقي ألزمناه بما يتبع التفريق للتساهل إذا كان ذلك بتساهل منه.
قوله: [وإن تضرر الأصل]: في بعض الأحيان يكون السقي مضرّاً بالأصل، فهل نقول: نقدم حق المشتري ويجب عليه السقي؟ أو نقول نقدم حق البائع؛ لأن الأصل الضررُ به أعظم من الفرع؛ لأن ضرر النخل ليس كضرر ثمرته، ففي بعض الأحيان يقول أهل الخبرة مثلاً: من المصلحة أن لا تسقي النخلة، وتحتاج أن تمسك الماء عنها أسبوعاً علاجاً لها من بعض الأمراض، والنخلة تمرض كما يمرض الآدمي؛ لأن لها أمراضاً تخصها، فإن قيل له مثلاً: الأرض مختمرة، ولا بد أن تمسك الماء عنها أسبوعاً، فحينئذ إذا أمسك الماء تضررت الثمرة، فنقول: إنه يلزم بالسقي بالمعروف ولو تضررت النخلة، لكن تضرر النخلة غالباً في مثل هذه المسائل ليس تضرراً سارياً إلى الثمرة، إنما هو في التضرر المستقل.