يحرم ربا النسيئة في الربويات، والربويات المنصوص عليها هي: الذهب والفضة، وعلتها الوزن، والمنصوص عليها في المطعومات علتها الطعم مع الكيل أو الوزن.
وبناءً على ذلك: إذا بادل غير الطعام؛ كأن يبادل حديداً بحديد، أو نحاساً بنحاس، أو خشباً بخشب، فهذه الأشياء من غير الطعام، فإن كانت توزن ولو اختلفت، كأن يبادل طناً من حديد بطنين من نحاس، فإن النحاس والحديد كل منهما يوزن، فنقول: يجوز، ولكن لا بد أن يكون التقابض فورياً، فلا يتأخر أحد المتعاقدين؛ لأنه موزون ربوي، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الموزون الربوي والمكيل الربوي: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
فبيّن صلى الله عليه وسلم أن الموزون والمكيل الربوي إذا اختلف وكل منهما يكال أو يوزن، فلابد أن يكون يداً بيد، وإذا تأملنا حديث عبادة بن الصامت (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة) فقد ذكر جنس غير المطعومات، ثم لما قال: (الذهب بالذهب) جعل كلاً منهما مثل الآخر: الذهب بالذهب والفضة بالفضة، فلما جاء في آخر الحديث قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف)، كذهب بفضة، وبر بتمر، وتمر بملح، وبر بشعير، وشعير بملح (فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
فهذه الأصناف تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: الذهب والفضة.
القسم الثاني: الأربعة الباقية.
فالذهب والفضة العلة فيهما الوزن، فكأنه صلى الله عليه وسلم حينما قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف) أي: الذهب بالفضة: (فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)، فإذا تأملنا الذهب والفضة وجدنا أن العلة فيهما هي الوزن، فكأنه قال: كل موزون من غير الطعام بيع بموزون الذي هو الربوي، -إذا قلت: إن العلة الوزن فمعناه أنه ربوي- فكل ربوي بربوي كموزون، بموزون لا يباع إلا يداً بيد، إن اتفق وجب التماثل والتقابض، وإن اختلف وجب التقابض وسقط التماثل.
وبناءً على ذلك: لو سئلت عن بيع الموزون بالموزون من غير الطعام؟ فيكون
صلى الله عليه وسلم يجوز التفاضل إذا اختلفا؛ ولكن بشرط أن يكون البيع يداً بيد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد).
ولما بينا أن العلة هي الوزن فهمنا ذلك من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أجاز لـ عبد الله بن عمرو بن العاص أن يبيع الإبل بعضها ببعض متفاضلة وإلى أجل، فهمنا أن المعدودات لا ربا فيها، قال عبد الله رضي الله عنهما: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذ البعير بالبعيرين، والفرس بالأفراس إلى إبل الصدقة).
فجمع بينه وبين النسيئة، والبعير بالبعيرين جائز، لكن الصاع بالصاعين غير جائز، وفهمنا أن الصاع مكيل وأن البعير معدود.
والسبب في هذا: أن المعدودات تتكافأ بالعدد، فلربما يكون الواحد يعادل العشرة، فسقط الربا فيها، ولكن المكيلات تتكافأ في الكيل، فوجب التماثل فيها.
ومن هنا أخذ العلماء هذه العلة المستنبطة من النص، فقالوا: العلة عندنا الموزونات فهماً من هذه السنة، فإذا قلت: إن العلة الوزن؛ وجب التماثل والتقابض إن اتحد الموزون، مثل: حديد بحديد، سواءً كان جيداً أو رديئاً إلخ.
ويجب التقابض إن اختلف الموزون، وهذا الذي جعله رحمه الله من كل ربويٍ بيع بجنسه، فمعناه: أنه لو بيع الموزون بالموزون اتفقا أو اختلفا وجب التقابض، هذا هو معنى قوله رحمه الله: (ويحرم ربا النسيئة في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل).