قال رحمه الله: [ولا بعضه ببعض جزافاً].
وهذا التطبيق الذي ذكره المصنف رحمه الله هو في الحقيقة تطبيق لقاعدة: (بالكيل كيلاً وبالوزن وزناً)، وما دام أن الشريعة أمرت بالتماثل في المكيلات وفي الموزونات، فمعنى ذلك: أن يتحقق التماثل في الكيل كيلاً وفي الوزن وزناً؛ لأننا ذكرنا أن المكيلات قد تختلف في الوزن.
وبناءً على هذا يختلف مقصود الشرع ببيع المكيل وزناً والموزون كيلاً، وكذلك ببيع بعضها ببعض جزافاً، فالمخالفة تتحقق بإحدى: - إما أن تجعل هناك وحدة تخالف الكيل، إن كان يباع بالكيل، أو تخالف الوزن إن كان يباع بالوزن.
- وإما أن يقع الجهل بالتماثل، ولذلك يذكرون قاعدة: (الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل)، وهذه القاعدة تنطبق على مسألة بيع بعضه ببعض جزافاً.
والجزاف: كأن يأخذ منه كوماً، أو يقول: هذا الكوم بهذا الكوم، فقد يكون أحدهما أكثر من الآخر كيلاً إن كان من جنس المكيلات، أو وزناً إن كان من جنس الموزونات، كما يقع في خامات بعض المعادن، فلو أنه خالف في الموزون أو المكيل فخرج عن ضبطه بالكيل والوزن -سواءً مع المخالفة بالمقادير المعروفة أو بالجزاف- فإن بيع المكيل بالوزن فات التماثل وخشي أن يكون ذريعة لفوات التماثل، وكذلك أيضاً إذا لم يوجد العيار الذي هو الكيل والوزن فباع جزافاً، ككوم من الطعام بكوم من الطعام، بل حتى لو قال: أبيعك هذا الكوم من الذهب بهذا الكوم، ولا نعرف كم مقدار هذا الكوم وزناً ولا هذا الكوم وزناً؛ فإن هذا يوجب الوقوع في المحرم.
ولذلك قالوا في القاعدة: (الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل) أي: إذا باعه جزافاً فقد جهلنا التماثل وما تحققنا أن الوزن واحد، قالوا: فإذا جهل التماثل في بيع الربوي بالربوي فكأنه تُحقق من بيعه متفاضلاً.