انتقاض الوضوء بخروج الريح

- ويخرج منه الريح: وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فلما سئل أبو هريرة رضي الله عنه عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: إذا أحدث؟ قال: إذا خرج منه الريح، ففسره بخروج الريح.

فقال العلماء: إن هذا يدل على أن الريح ناقض، وهذا بالإجماع.

لكن يُنتبه إلى مسائل: الأولى: وهي أن الريح إنما يُعتبر ناقضاً إذا خرج حقيقةً لا توهُّماً وظناً، وفي ذلك صور، منها: أنه لو أحس بحركة في دبره دون أن يسمع الصوت أو يشم الرائحة، فإنه يبقى على الطهارة، ولو أحس بتحرُّك الدبر، لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان ينفُخ في مقعدة الرجل؛ فيظن أن وضوءه انتقض وليس بذاك، إنما يريد به أن يلبِّس عليه في طهارته).

المسألة الثانية: أنه لو سمع الصوت ولم يشم الرائحة، حُكِم بانتقاض الوضوء، ولو شم الرائحة ولم يسمع الصوت، حُكِم بانتقاض الوضوء.

المسألة الثالثة: أن العبرة في انتقاض الوضوء بالريح إنما هو إذا خرج فعلاً، خلافاً لمن يقول: إنه لو سمع الصوت من بطنه، فإنه يُحكم بانتقاض وضوئه، فهذا قول ضعيف؛ لأن العبرة بالخروج لا بوجود الصوت قبل المخرج، وبناءً على ذلك: فلو سمع الأصوات في بطنه، كأن يكون به ما يسمى الآن في عرف الناس بـ: (الغازات)، لو كان مبتلى، بها أو سَمِعها أو سمع صوتها في بطنه، فذلك لا يؤثر في الوضوء شيئاً، ما لم يكن صوتاً من خارج، أو مصحوباً بدليل من شم رائحة، وأما ما عدا ذلك فليس بناقض.

ثم قول العلماء -رحمة الله عليهم-: لا بد من سماع الصوت أو شم الرائحة، يستوي فيه: أن يكون شكُّ الإنسان في الريح قبل الصلاة أو أثناء الصلاة، وهذا مذهب الجمهور، خلافاً للمالكية -رحمة الله عليهم- الذين يقولون: إنما يُعْمِل قاعدة اليقين في الريح إذا كان في الصلاة، لورود الرواية المقيِّدة، وقد أجيب عنها بأن ذكر أحد أفراد العام لا يقتضي تخصيص الحكم به؛ لأن عبد الله بن زيد كما في الصحيحين قال: (شُكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجلُ يُخَيَّلُ إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً) فهذا حكمٌ مطلق، وكونه جاء في الصلاة فلأن صورة الصلاة هي التي يحصل بها عامة البلوى أو أكثر البلوى؛ لأن الشيطان تشتد وسوسته عند الصلاة، فلا يقتضي ذلك تخصيص الحكم بالصلاة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فلما قال عليه الصلاة والسلام ذلك فَهِمْنا أن السر هو تيقُّن الخارج، فألغينا كونه في الصلاة أو غير الصلاة، ما دام أن المهم هو أن يتيقن، فيستوي في ذلك أن يكون داخل الصلاة أو خارج الصلاة، تكون صورة السؤال في قوله: (شُكي إليه الرجلُ يُخَيَّلُ إليه أنه يجد الشيء في الصلاة) إنما هو سبب النص، ولا يقتضي ذلك تخصيص الحكم به؛ لأن العلةَ مُشْعِرَةٌ بالعموم.

هذا بالنسبة للخارج الثاني: الريح، والريح ليس بنجس، فلا يوجب غَسل الثوب، ولا غَسل الموضع، خلافاً لبعض أهل البدع ممن لا يُعْتَد بخلافهم، الذين قالوا: إذا خرج الريح وجب عليه أن يستجمر أو أن يستنجي، وهذا قول ضعيف، فإن العبرة في الغسل إنما هي بالبول والغائط وما في حكمهما، وليس الريح في حكم البول والغائط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015