إذاً: فالحق مع المدعى عليه دائماً حتى يقوم الدليل على خلافه، لكن متى تحكم بكونه مدعىً عليه؟ هناك خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: المدعي: هو من تجرد قوله عن الأصل والظاهر، والمدعى عليه من اعتضد قوله بالأصل أو الظاهر.
أما الأصل: فمثاله: لو أن شخصاً اتهم شخصاً بتهمة، فنقول: المدعى عليه هو المتهم، والمدعي هو القاذف، فحينئذٍ نطالب القاذف بالدليل؛ لأن الأصل البراءة، والأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
إذاً: حكمت بكون فلان مدعى عليه؛ لأن الأصل معه، إذ الأصل أنه لم يفعل هذا الحرام، فإذا جاء شخص وقال له: بل فعلت هذا الحرام، نقول: عليك الدليل، ولذلك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] فجعل الأصل خلاف من قال بالتهمة.
وبناءً على ذلك نقول: المدعى عليه، من عضّد قوله الأصل كما ذكرنا؛ لكن ما هو الأصل؟ قالوا: الأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فإذا قال شخص: أنت فعلت هذا، فالأصل أنه لم يفعل حتى يثبت أنه فعل.
وكذا لو قالوا: أنت الذي ضربته، فقال: ما ضربته، فقوله: (أنت الذي ضربته) خلاف الأصل، حتى يثبت أنه ضرب، وقس على هذا.
أما دليل الظاهر، فكرجلين اختصما في سيارة أو في بعير أو في بيت، فجاء شخص لشخص وقال: هذا البيت بيتي، وقال الآخر: بل بيتي، فنظرنا فوجدنا أحدهما ساكناً في البيت والآخر خارج البيت، فدلالة الظاهر تدل على أن الذي في البيت مدعىً عليه، وأن الذي خارج البيت مدعٍ؛ لأن الأصل أن يسكن الإنسان في ملكه، ولو أن رجلين على بعير، أحدهما في المقدمة والآخر في المؤخرة، وكلاهما يدعي البعير فنقول: إنه للذي في المقدمة؛ لأن الذي في المقدمة هو صاحب الدابة على الظاهر، وقس على هذا.
ولذلك يقولون: تمييز حال المدعي والمدعى عليه جملة القضاء وقعا فالمدعي من قوله مجرد من أصل أو عرف بصدق يشهد وقيل من يقول قد كان ادعى ولم يكن لمن عليه يدعى من يقول: حدث كذا فهو المدعي، ومن يقول: لم يحدث فهو مدعىً عليه، وعلى هذا نطبق في مسألتنا: لو أن رجلاً اشترى عمارة فوجد فيها عيباً أو اشترى سيارة فوجد فيها عيباً، فقال المشتري: كان العيب موجوداً في السيارة، وقال البائع: هذا العيب طرأ وحدث عندك بعد أن اشتريت السيارة، ولم يحدث في ملكي، فأنا لا علاقة لي بهذا العيب، وإنما بعتك بيع المسلم لأخيه سالماً من العيب؛ فحينئذٍ من المدعي ومن المدعى عليه، وعليه فإذا قال العلماء: القول قول فلان، فمعناه أنه مدعى عليه، ومعنى ذلك أننا نطالب من خالفه بالبينة.