Q أشكل عليَّ أن للمشتري النماء المنفصل، لتعارضه مع حديث (.
ردها وصاعاً من تمر) أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فحديث أبي هريرة في الصحيح: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر).
فالإشكال الذي ذكره هو إشكال في محله من حيث الظاهر، ونحن قلنا في الخيار: إذا قال له البائع: بعتك هذه السيارة بعشرة آلاف ريال، فقال المشتري: قبلت، ثم اشترط الخيار يومين، فقال البائع: وأنا كذلك أشترطه يومين، فتم البيع بالإيجاب والقبول في المجلس، وبقي معلقاً بالخيار، وقد أثبتنا أن ملكية المبيع تكون للمشتري.
فإذاً: الاستحقاق للمشتري ثابت، والصفقة تمت، والشيء الذي بيع ليس فيه غبن ولا غش ولا تدليس، بل هو تام، وشروط الصحة موجودة، فالبيع من حيث إنه تام الأركان تام الشروط لا إشكال فيه، لكن إذا اشترى شاة مصرّاة، فالعقد إنما وقع على شاة من صفاتها أنها حلوب، فإذا به يجد أنها غير حلوب، فكأن العقد ورد على غير مورده، ولذلك فكأن البيع لم يقع ولم يتم إذا اختار الفسخ، ولذلك قال: (وإن سخطها ردها وصاعاًَ من تمر) وهذا وجه للجواب.
إذاً: يكون الفرق بين الأمرين، أن البيع في خيار الشرط والمجلس قد تم، وهو مستوفٍ لشروطه، وكأن في المسألة مهلة ونظرة فقط، فكان النماء للمشتري.
لكن في المبيع الناقص وقع البيع على مبيع كامل، فإذا به قد وقع على مبيع ناقص، وكأنه ليس بمحل للعقد، فلا وجه لأن نقول: إن البيع قد تم؛ لأنه لو تم لألزم به، ولكنه وقع على مبيع كامل والحقيقة أنه على مبيع ناقص.
والوجه الثاني: أن فيقال: إن صاع التمر في حديث المصرّاة ليس من باب الضمان من كل وجه، أي: ليس على قاعدة الضمان، والدليل أن الطعام ليس هو بمثلي ولا قيمي، والقاعدة في الضمانات أن تكون أولاً بالمثل إذا وجد، فإذا لم يوجد المثل ينتقل إلى القيمة، والتمر في لقاء الحليب ليس بمثلي ولا بقيمي.
لو أن رجلاً أتلف سيارة لك، وأخطأ في هذا الإفساد والإتلاف، فإنه من ناحية شرعية يضمن، فنذهب إلى باب الضمان وننظر إلى قواعد الضمان: وقواعد الضمان تستلزم أن يعطيك سيارة مثل سيارتك التي أتلفها، وهذا يسمى الضمان بالمثل، فإذا جاءك بسيارة مثل سيارتك لزمك أخذها؛ لكن لو أنه بحث ولم يجد سيارة مثل سيارتك فإنه حينئذ ينتقل إلى القيمة، فنقدر السيارة بقيمتها يوم الإتلاف لا يوم الرد، فلو أنه أتلفها قبل خمس سنوات وقيمتها مائة ألف، ولما جاء يردها بعد خمس سنوات وهي تباع بألف نقول: تضمنها بقيمة مائة ألف: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) فالضمان الذي يلزم به هو عند الأخذ والإتلاف؛ لأنه لما أتلف استقر الحق في ذمته، وبناء على هذا يكون الضمان بالقيمة.
فعندنا ضمان مثلي وضمان قيمي، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ردّها) أي: يرد الشاة (وصاعاً من تمر) فالصاع ليس بمثل للحليب؛ لأن مادة الحليب من المشروبات، ومادة الصاع من الجامدات التي تؤكل، فهذا شراب وهذا أكل جامد، أو هذا مائع وهذا جامد، فليس بمثلي.
حتى ولو كان شراباً، بأن رد خلاً مثلاً، فليس الخل من جنس الحليب الذي يشرب، فهو ليس بمثلي ألبتة.
وليس بقيمي؛ لأن الصاع من التمر، ليس بنقود، والقيمة يقصد بها الذهب أو الفضة التي جعلها الله قيماً للأشياء.
فهذا الضمان خرج عن الأصل فهو مستثنى من الأصل، ولذلك لما اعترض الحنفية على الجمهور -كما سيأتي إن شاء الله في حديث المصرّاة- باعتراضات، أجاب الجمهور بأن حديث المصراة خالف الأصول، بمعنى: أنه استثني من الأصول لورود السنة به، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل أو شرب في نهار رمضان فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه).
وإذا جئت إلى القاعدة وجدت أن الشريعة توجب على من نسي الركن أن يأتي به، فلو أن رجلاً سلم من ثلاث ركعات في صلاة العشاء، فإنه يجب عليه أن يرجع ويأتي بركعة، فكونه نسي لا يسقط ضمان الحق لله عز وجل، فنسيان الأركان لا يجبر بسجود السهو، بل ينبغي أن يأتي بالفعل حقيقة.
إذاً: أنت الآن في الصلاة تلزم بضمان الركن والإتيان به، وركن الصوم الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، فلو نسي وأكل أو شرب فحينئذ فات الركن، ولذلك قال المالكية في هذا الحديث: قوله: (إنما أطعمه الله وسقاه) أي: فأسقط الإثم ولكن لا يسقط الضمان ولذلك لم يقل: فلا يقضي؛ لأن القاعدة عندهم أن النسيان للأركان لا يسقط الضمان.
ولكن قال الجمهور -وهذا موضع الشاهد- حديث رمضان في الأكل والشرب استثني من الأصل لورود السنة به، ويجوز الاستثناء من القواعد الكلية بآحاد الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فنحن نقول: القاعدة في الخيار أن النماء المنفصل يكون للمشتري، وجاء حديث المصراة مستثنى من الأصول، وانتهى الإشكال، والقاعدة: أنه لا تعارض بين عام وخاص، فهذا عام ودارج على القاعدة العامة، وهذا خاص، وبهذا يزول الإشكال، والله تعالى أعلم.