بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [والملك مدة الخيارين للمشتري]: شرع المصنف رحمه الله بهذه الجملة في بيان بعض الأمور المترتبة على خيار المجلس، وخيار الشرط، ومن ذلك: مسألة ملكية المبيع، فإذا وقع خيار الشرط، أو وقع خيار المجلس، فهل هذا المبيع يكون في مدة الخيار ملكاً للبائع أو ملكاً للمشتري.
والسبب في هذا: أنه لو باع إنسان سيارة مثلاً لرجل آخر، وقال له: بعتك هذه السيارة بعشرة آلاف، فقال: قبلت، فإن قوله: (بعتك بعشرة آلاف) إيجاب، وقول المشتري: (قبلت)، قبول، والعقد مركب من الإيجاب والقبول، فمعناه أن الأصل يقتضي أنه قد تم البيع، ولكن من رحمة الله سبحانه وتعالى وتيسيره على خلقه أن جعل الخيار للمتعاقدين مدة جلوسهما.
فكأن الأصل يقتضي أن البيع قد وجب، وأن الملكية قد انتقلت إلى المشتري، فكما أن البائع قد ملك الثمن كذلك المشتري قد ملك المثمن؛ لأنه قال: بعتك، وقال الآخر: اشتريت، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] فالأصل يقتضي أن صدور الإيجاب والقبول من الأهل في المحل القابل يتم به العقد، ولكن الخيار جعل فسحة من الله جل وعلا للبائع والمشتري، ولا يتركب إلا على عقد صحيح، فإذا صح عقد البيع لحقه الخيار والمهلة، ومدة الخيار والنظرة لا تقتضي بطلان العقد، ولذلك يقول بعض العلماء: الملك في مدة الخيار للمشتري كما اختاره المصنف وطائفة.
والمُلك والمِلك والمَلك مثلث الميم، وكله صحيح.
وقوله: [مدة الخيارين] أي: ما داما في فسحة الخيارين والخياران هما خيار المجلس وخيار الشرط، فأنت إذا قلت لرجل: بعتك هذه العمارة بعشرة آلاف وأنتما في المجلس، فقال: قبلت، وقلنا: بخيار المجلس، فإن الملك مدة جلوسكما في المجلس للمشتري وليس للبائع.
كذلك في خيار الشرط لو قال له: بعتك هذه السيارة بعشرة آلاف، فقال: قبلت، ثم اشترط وقال: قبلت على أنني بالخيار ثلاثة أيام، فإن الملك في هذه المدة للمشتري ومعنى ذلك أن العقد صحيح، فإنا لا نحكم بخيار على عقد فاسد؛ لأن الخيار إنما يكون في عقد صحيح ماض قد أوجبه المتعاقدان، ولذلك نبه المصنف رحمه الله بهذه الجملة على أن العقد قد تم، وأن نظرة الخيار لا تقتضي إلغاء العقد الأول بين المتعاقدين.