إسقاط خيار المجلس

قال رحمه الله: [وإن نفياه أو أسقطاه سقط]: أي: وإن نفياه بأن قال: أبيعك ولا خيار لا لك ولا لي.

والسبب في هذا: أنه في بعض الأحيان يأتي شخص ويقول لك: أصرف لك هذه المائة ألف بعشرة آلاف دولار، وأنت تريد بعد أن تأخذها مباشرة أن تبيعها في نفس المجلس، وهذا كما يقع في الأسواق التجارية أو المحلات المتقابلة، أو الأماكن التي يجتمع فيها التجار مع بعضهم، فالتاجر يشتري من هذا مباشرة ويبيع على هذا، فإذا قلنا: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)، لن يستطيع أن يبيع شيئاً؛ لأنه لم يتم بيعه.

فحينئذٍ لا بد وأن يبت الصفقة، فيقول له: أشتري منك هذه العمارة القلم الكتاب الساعة الثوب؛ لكن بشرط أننا ننفي الخيار، فبمجرد ما نعقد فإن البيع قد تم ووجب ولا خيار لك ولا لي، فيتفقان على إسقاطه أو نفيه، أو يقرّا عند القاضي أنه لا خيار لهما، فحينئذ يسقط الخيار؛ لأن لهما الحق في هذا الخيار، ولهما الحق في إسقاطه، فإن الشرع أعطاهم ذلك، والشرع إنما قصد الرفق بهما، فقد يكون الرفق أن يتم البيع بدون خيار، فأنا أعرف الصفقة وهو يعرف المال، وقد رضي بالصفقة، ويريد أن يبيعها لآخر، أو يريد أن يتصرف فيها مباشرة، فنقول له: إنه يتم العقد مباشرة ويسقط الخيار.

وعلى هذا: لو اشترى شخص طعاماً، فإنه ينبغي عليه أن يخرج عن الدكان قليلاً ولا يأكل أمام البائع؛ لأن السلعة لا يملكها إلا بالافتراق؛ لأنه ربما يرجع عن بيعه، فإذا أراد أن يتحلل فليخرج من الشبهة.

لكن يبقى الإشكال في المطاعم، فالمطعم لا تستطيع أن تخرج منه، فقالوا: إن هذا أشبه بإسقاط الخيار، فهو إذا وضع الطعام بين يديه، ولم يدركه قبل أن يأكله، فقد فوت على نفسه الخيار، ويكون الأكل من الأكل إسقاطاً لحقه في الخيار، وسكوت صاحب المطعم وسكوته إسقاط لحقه في الخيار، أي: أنه ما دام قد وضع الطعام ولم يرجع، ورآك تأكل، فكأنه قد رضي بإيجاب الصفقة.

وهكذا لو أنهما اتفقا من البداية على أنهما إذا أوجبا البيع أو تم الإيجاب والقبول في الصفقة، أنه لا خيار لواحد منهما، لي ولا لك، وعليه حمل حديث السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشترى قال للأعرابي: (عمّرك الله بيعاً) فرضي الأعرابي وأوجب البيع، أي: حمل الحديث على إسقاط الخيار، وهذا أصل عندهم: على أنهما إذا اتفقا على إسقاط الخيار، فهذا لهما حق لهما إذا تراضيا بالمعروف، ولا حرج عليهما فيه، ولا بأس في إسقاطه على هذا الوجه.

قال رحمه الله: [وإن أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر]: أي: بأن قال: أريد الصفقة ولا خيار لي، وسكت الآخر، فإنه يبقى حق الآخر، فليس إسقاطك يلزمني، كما أن إسقاطي لا يلزمك، فإسقاطي حق لي، فيسري الإسقاط على ما أملكه، ولا يسري على ما تملكه، إلا إذا قلت: وأنا كذلك لا أريد.

وعلى هذا لو قال لك: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، قلت: قبلت، فقال لك: لا خيار لي فأنا أريد البيع، فسكت، ثم بعد ساعة قلت: أريد أن أرجع عن بيعي، كان من حقك أن ترجع؛ لأن إسقاطه لا يتعدى إلى حقك في الخيار فيسقطه؛ ولأنه لو فتح هذا الباب لأسقط كل منهما حق الآخر أضر به.

وعلى هذا: لا يملك الإسقاط إلا في حق نفسه دون حق الآخر.

قال رحمه الله: [وإذا مضت مدته لزم البيع]: أي: إذا مضت مدة الخيار، فإنه في هذه الحالة يلزم البائع، ويلزم المشتري، ولا خيار لهما، وهذا على التأقيت بالزمان، ويكون العقد حينئذٍ لازماً للطرفين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015