Q كيف نجمع بين قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون)، أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم السعي في لغة العرب يطلق على معنيين: سعى إذا مضى، وسعى إذا اشتد في مشيه، فسعى بمعنى مضى تقول: سعيت إلى زيد، أي: ذهبت إليه ومضيت إليه، ولذلك القراءة الثانية تفسر هذه القراءة وهي قراءة: (فامضوا إلى ذكر الله) (امضوا) بمعنى اذهبوا، فيكون قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] أي: امضوا إلى ذكر الله، وليس المراد به الإسراع، الذي هو الرمل أو المشي باشتداد.
وأما بالنسبة للمعنى الثاني: وهو السعي والجري والهرولة، فهذا منهي عنه كما في الصحيح من حديث أبي هريرة: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون)، (إذا أقيمت الصلاة -هذا عام- فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، هنا قد يقول البعض: إن الحديث يقول: (إذا أقيمت الصلاة) في الآية قال: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) فيكون السعي إذا نودي للصلاة أي: صلاة الجمعة عند الأذان الأول، والمنع من السعي عند الإقامة، وهذا ضعيف؛ لأنه إذا مُنع من السعي عند الإقامة والحاجة أشد فمن باب أولى أن يمنع عند الأذان؛ لأن من فاتته الخطبة وأدرك الصلاة صحت جمعته وأجزأته، فهذا من باب التنبيه بالأدنى على ما هو أعلى منه، فإذا كان يحرُم عليك السعي للصلاة وأنت عند الإقامة، فمن باب أولى أن يحرم عليك وأنت بين الأذان والإقامة ويحرم عليك أثناء الأذان، وهذا مبني على علة بينها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (فإن أحدكم إذا عمد إلى المسجد فهو في صلاة)، (فإن أحدكم) جملة تعليلية، فكأنك إذا خرجت إلى المسجد تريد أن تصلي فأنت في صلاة، والمصلي لا يعبث، وعليه أن يمشي وعليه السكينة ويمشي مشياً يليق بما هو قاصد إليه من الوقوف بين يدي الله وأداء الفريضة التي أوجب الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيّه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.