Q إذا قال صاحب سيارة الأجرة للراكب: أوصلك بعشرة، وإن ركب أحد معنا فبخمسة، فهل تصح هذه الإجارة، أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم إذا قال له: أوصلك إلى دارك بعشرة، فهذه إجارة صحيحة بثمن معلوم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من استأجر أجيراً فليعلمه أجره)، فإن قال له: إن ركب معنا أحد أوصلك بخمسة وحدد المكان الذي فيه الركوب، فإن بعض العلماء يمنع من هذا؛ لأنها صفقتين في صفقة واحدة، فلا يُدرى هل يئول الأمر إلى الخمسة أو يئول إلى العشرة، فكان من باب البيعتين في بيعة، ومسائل الإجارة مفرعة على مسائل البيع.
وقال بعض العلماء: إنه إذا قال له: إن ركب معنا أحد فآخذ منك خمسة فإنه يجوز ذلك؛ لأنه معلّق على وجهٍ لا يقطع بت البيع الأول.
إذاً: إذا قال له: أوصلك بعشرة وإن ركب معنا راكب فبخمسة فهذا إذا حدَّد المكان أو عين المكان فلا إشكال كما ذكرنا، لكن هناك في بعض الأحوال يكون هذا النوع من الإجارة فيه جهالة وفيه غرر؛ وذلك أنك قد تركب من أجل أن تصل إلى مكانك المعين بعشرة وتريد أن تصل بسرعة فَيُدخل عليك راكباً ثانياً قد يتسبب في تأخيرك أو تعطيلك، وقد يضرك من يركب معه بدخان أو بكلام أو نحو ذلك مما فيه أذية وضرر، ففي مثل هذه الأحوال إذا كان السائق يريد أن يدخل على الراكب ما فيه غرر بمثل هذه الصور فلا إشكال في عدم الجواز، وأنه ينبغي على المستأجر أو الراكب أن يبتّ معه فإما أن يستأجره بعشرة وينهي الإجارة على عشرة ولا يركب معه أحد، وإما أن يعتذر عن أخذه إلى غيره، ومثال ما فيه الغرر كما لو جئت نازلاً من المطار فقال لك: أنزلك من المطار إلى وسط المدينة بخمسين إذا كنت لوحدك، وإن وجدت معك راكباً فسآخذ منك خمسةً وعشرين، لكن هذا الراكب الذي سيركب معك قد يقول: أنت تريد منتصف المدينة أو وسط المدينة وأنا أريد قبل منتصف المدينة.
فمعنى ذلك أنه سينحرف عن طريقك إلى طريقه، وقد يستغرق توصيله ربع ساعة أو ثلث ساعة وقد يستغرق نصف ساعة، ومن جرب ذلك يعلم، فهذا النوع من الإجارات فيه مصلحة لسائق السيارة لكن فيه ضرر على الراكب، حتى إننا نذكر من بعض المشايخ حفظهم الله الذين يخرجون للدعوة في الخارج يقولون: نقع في أشياء من أغرب ما تكون إذا جئنا ننزل من المطارات إلى الفنادق، فيقولون: يركب معك أحد ونأخذ منك كذا، فنستهين بالأجرة، فإذا بالذي يركب معنا يذهب ويدور به المدينة كلها ولا يصل بنا إلى مكاننا.
ومثل هذا يضر بمصالح المرء، خاصة إذا كان يريد أن يقضي حاجة أو يريد أن يدرك مريضاً أو أن يصل إلى غرض من معاملة أو نحو ذلك، فهذا يضر بمصالح الناس، ويوجب الشحناء والبغضاء بينهم، لأنه من بيوع الغرر.
والعلماء دائماً يقيسون الإجارة على البيع.
ومما ذكر بعض المشايخ حفظه الله يقول: ذات مرة نزلنا من المطار فوجدنا اثنتي عشرة رجلاً -أي: قائد سيارة- وكنا مستعجلين جداً -كانوا في مهمة دعوة- يقول: وقد كنا منهكين لبقائنا قرابة ساعة ونحن في السفر من منطقة إلى منطقة في الطائرة، الشاهد: أنه لما نزلنا قال لنا السائق: أوصلكم بكذا، فإذا بسعره مغر، قال: فقط أريد طلباً واحداً؟ قالوا: ما هو؟ فأشار إلى رجل وقال: هذا الرجل الذي ينزل والذي تلاحظوه معه دولارات -التي يسمونها العملة الصعبة- أريد أن أصطرف معه، وما أريد أن يسبقني إلى عقد الصفقة معه أحد، فكل الذي أريده منكم أنه إذا نزل نذهب وراءه حيث ينزل وأشتري منه وأعقد الصفقة ثم أوصلكم، يقول: فأصبحنا في داخل المدينة نذهب من مكان إلى مكان، بل ربما ما ترك مكاناً في المدينة إلا ذهب إليه؛ لأن هذا يريد أن يفرّ من هذا، وهذا وراءه، فجلسنا قرابة ساعة ونصف ونحن وراءه، حتى إنه من شدة حرصه كان يسرع حتى خفنا على أنفسنا، فصممنا وقلنا: أنزلنا واتبع صاحبك، قال: لا يمكن أن تضيع الأجرة التي بيني وبينكم، فقلنا: خذ الأجرة، قال: إذا أوقفتكم ذهب عني، أي: لم يقبل على الرغم من عرضنا عليه الأجرة كاملة على أن ينزلنا.
فهو يقول: إذا أوقفتكم ذهبت الدولارات، وإذا ركبتم معي فإن هذا يضر بكم، لكن ما لكم إلا الصبر، فأيَّاً ما كان فهذا النوع من العقود كونه يقول أوصلك ويعلق شيئاً آخر على الإيصال فهذا الذي نريد أن نصل إليه أنه يوجب الشحناء ويوجب البغضاء، ويعرّض مصالح الإنسان وحوائج الإنسان إلى الضرر، فالأفضل والأكمل أن تكون الإجارة على البتّ خالية من الغرر.
والله تعالى أعلم.