قال: [وينعقد بإيجاب وقبول بعده] (بإيجاب) هذا أول شيء، (وقبول بعده)، أي: بعد الإيجاب، فقوله: (بعده) أي: ألا يكون هناك فاصل بين الإيجاب والقبول، مثال ذلك: أن يقول له: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، قال: قبلت، فلما قال: قبلت وقع القبول بعد الإيجاب مباشرة، فالبيع صحيح وتام؛ لكن لو فصل فاصل، نقول: الفاصل ينقسم إلى قسمين: الفاصل المتضمن للعقد.
والفاصل الخارج عن العقد، ويسمى: بالفاصل المؤثر.
أما الفاصل الذي هو داخل العقد كأن يقول له: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، ثم قام إلى السيارة فقلبها ونظر فيها وفحصها ثم قال: قبلت، فإننا نعلم أن هذا الفاصل من الأفعال؛ لأن الفاصل يكون بالأقوال ويكون بالأفعال، فهذا الفاصل الفعلي ولو أنه طال لكنه يعتبر داخلاً ضمن مجلس العقد، وكأنه من متممات العقد، أي: كأنه انبنى عليه تمام العقد، فهذا لا يؤثر، ولا يحتاج أن يعود مرة ثانية ويقول: بعتك؛ لأنه فصل بفاصل مركب على قوله: بعتك، وكذلك أيضاً الفاصل الزمني، قال له: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، فجلس يتفحص ثم قال: عشرة آلاف، عندي كذا وعندي كذا، فجلس يحسب نفقته ويحسب ما الذي يترتب على قبوله البيع، ثم قال: قبلت، فهنا صح البيع، وهذا الفاصل يعتبر مما يعين على تحقيق البيع وتمامه.
أما الفاصل المؤثر أن يأتي بقول أو فعل أجنبي، مثلاً: قال له: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، قال: كيف حال فلان؟ فهذا الكلام خارج عن عقد البيع، وكلام أجنبي، ثم قال: هل خرج من المستشفى أم لا؟ قال: لم يخرج، قال: لعل الله أن يشفيه، فدخلوا في كلام خارج عن مسألة البيع، ثم قال له: قبلت، فهذا لا يصح، ولا يتركب القبول على الإيجاب الماضي؛ لأن دخول الفاصل الأجنبي كأنه يقول: لا أريد البيع، فهو بمثابة الإعراض عن البيع، ولذلك يحتاجان إلى أن يعيدا مرة ثانية ويقول: بعتك سيارتي بعشرة آلاف، حتى يقع القبول بدون وجود هذا الفاصل الأجنبي المؤثر في اعتبار الإيجاب وما يتركب عليه من قبول.
قال رحمه الله: [وقبله متراخياً عنه في مجلسه].
(وقبله) أي: أن يقع القبول قبل الإيجاب، فيصح أن يقع القبول بعد الإيجاب وقبل الإيجاب، سواء سبق البائع أو سبق المشتري؛ لأن هذا كله يدل على الرضا، إلا أن الشافعية رحمهم الله يشددون ويشترطون سبق الإيجاب للقبول، ولذلك إذا قال له: أشتري منك سيارتك بعشرة آلاف ريال، فقال: بعتكها بعشرة آلاف ريال، فلابد أن يرجع المشتري مرة ثانية ويقول: قبلت، فيرون أنه لابد أن يتأخر القبول على الإيجاب، والجمهور من حيث الجملة لا يفرقون؛ لأن الله سبحانه وتعالى اعتبر الرضا، وهذا يدل على الرضا، سواء سبق أو تأخر، فكل منهما معتبر.
قال رحمه الله: [فإن اشتغلا بما يقطعه بطل].
(فإن اشتغلا بما يقطعه) أي: من القول أو الفعل، (بطل) أي: بطل الإيجاب، ولم يتركب القبول بعده على الإيجاب.
[وهي الصيغة القولية].
أي: هذا الذي قدمته لك وذكرته لك صيغة البيع القولية: (بعت) و (اشتريت)، كما ذكرنا، وبعد ذلك سينتقل إلى الصيغة الفعلية.