ويتميزون في مجالسهم: فلا يكون لهم حق الصدارة في المجلس، ولا يجلسون في صدر المجلس؛ لأنه موضع إكرام، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وجُعِل الصغار على من خالفني) فثبت في السنة الصحيحة أن مَن خالف ملة الإسلام، فينبغي أن يكون في صغار، فإذا جلس في صدر المجلس فإن هذا إكرام له، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) والتكرمة: هي صدر المجلس، فإذا كان المسلم لا يجوز له أن يجلس في صدر المجلس إلا بإذن صاحب المجلس، فكذلك أيضاً لا يجوز إجلاس أهل الذمة من باب أولى وأحرى.
لكن لو أن صاحب الدار أجلسه في صدر المجلس! لا يُجْلَس، ولو أذِنَ صاحب الدار؛ لأن الحق للإسلام وليس له هو، فليست قضية الجلوس في صدر المجلس قضية شخصية، وحتى لو أنه أراد أن يعلي بناءه وأذِنَ له جارُه المسلم، فليس من حقه؛ لأن هذا من حق الإسلام وليس من حق الشخص، فالحقوق تنقسم إلى قسمين: منها ما يكون شخصياً، فإذا تنازل عنه صاحبه فلا إشكال.
ومنها ما يكون حقاً عاماً.
ولذلك فإنهم إذا قطعوا الطريق، وأخافوا السبل بالحرابة، فقال أولياء المقتولين: سامَحْناهم، وقال الإمام: يقتلون، فإن من حقه أن يقتلهم؛ لأنه انتقل من الحق الخاص إلى الحق العام.
ففي هذه المسائل التي ذكرناها الحق فيها للإسلام، لقوله عليه الصلاة والسلام: (وجُعِل الصَّغار على من خالفني) فكأن هذا الصَّغار مرتبط بمخالفة الإسلام، وليس بمرتبط بحق شخصي حتى يُبْحَث عن كونه يؤذَن له أو لا يؤذَن له، أو يتنازل شخص فيجلسه في مكانه في صدر المجلس أو نحو ذلك، إنما هو حق عام يرجع إلى الإسلام، فلا يُنْظَر فيه إلى التنازل.